عمار علي حسن
صنع الشعب المصرى ثورتين، وتغيّرت ثقافته السياسية من السلبية إلى الإيجابية، ومن الإحجام إلى الإقدام، لكن طريقة صناعة القوانين بقيت على حالها، حيث العجلة والخفة وضعف المهنية، والتعامل مع الدستور وكأنه مجرد حبر على ورق، أو كتاب صدرت منه طبعة محدودة سرعان ما تمت مصادرتها، أو زينة لا بد منها لاستكمال «شكل الدولة»، ولا داعى لاستحضاره لحظة صناعة القوانين.
فى ظل هذا صدر قانونا «الانتخابات» و«مباشرة الحقوق السياسية» ليجدا من يطعن عليهما بسهولة، لا سيما فى الجانب المتعلق بعدم المساواة والتكافؤ سواء فى التمثيل أو التمويل، حيث لم يراع تقسيم الدوائر معياراً واحداً فى نسبة كل مقعد إلى عدد السكان، ولم يساوِ بين مرشحى الفردى والقائمة فى الأموال المخصصة للدعاية الانتخابية.
وغداً تنظر المحكمة الدستورية فى طعون من هذا القبيل، بعد أن أوصى تقرير المفوضين، غير الملزم لها، بعوار قانونى يصم العملية الانتخابية برمتها، والتى دارت عجلتها قبل أيام حين فتح باب الترشح وتقدم للمنافسة على مقاعد مجلس النواب أكثر من سبعة آلاف على الفردى وسبعة قوائم.
وأمام المحكمة الدستورية سبيلان فى التعامل مع هذه المشكلة هما:
1- الحكم بعدم دستورية القانون، لا سيما فى مسألة تقسيم الدوائر، الأمر الذى يؤدى إلى إلغاء كل ما تم من العملية الانتخابية، وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، لينتظر المصريون مرة أخرى موعداً جديداً للانتخابات، بعد أن يتم تعديل القوانين غير الدستورية.
2- الحكم بدستورية القانون، وبالتالى استمرار العملية الانتخابية الحالية لتجرى فى موعدها الذى حددته اللجنة العليا للانتخابات من قبل.
وكل سبيل من هذين له مزاياه وعيوبه، فالأول يعنى فقدان الحياة السياسية الحيوية التى اكتسبتها فى الأيام الأخيرة بعد جمود وتكلس، وفتور همة الشعب حيال العملية الانتخابية، واستمرار البلاد بلا برلمان، بما يعنى تأخر الاستحقاق الثالث من «خريطة الطريق» التى تم إطلاقها فى الثالث من يوليو 2013، وهو استحقاق مهم سواء فى نظر المصريين المنحازين إلى الديمقراطية والتغيير ويخشون من استمرار التشريع فى يد الرئيس، أو فى نظر العالم الخارجى. كما أن لهذا السبيل تأثيره السلبى على المؤتمر الاقتصادى المزمع انعقاده فى مارس المقبل، والذى تعول عليه السلطة التنفيذية كثيراً فى مساندة الاقتصاد الوطنى.
أما السبيل الثانى فسيجعل البرلمان المقبل مجروحاً فى نظر البعض الذين قد يتجاوزون فى خطابهم الدعائى حكم المحكمة الدستورية، ليتحدثوا عن برلمان يطارده بطلان، وقد يقولون إن المحكمة راعت الظروف السياسية على حساب صحيح القانون.
حالان وخياران كلاهما مر، كنا فى غنى عنهما لو أن الذين صنعوا القوانين دققوا النظر، وراعوا مطابقة ما ينتج عنهم للدستور، وضرورة تلافى العيوب التى وصمت برلمانات ما قبل ثورة يناير، لكن للأسف لم يحدث شىء من هذا القبيل، وكأن قدر الحياة السياسية المصرية أن يمزقها ترزية القوانين بمناشير مسنونة لا ترحم.