مولد العذراء مريم
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

مولد العذراء مريم

مولد العذراء مريم

 لبنان اليوم -

مولد العذراء مريم

عمار علي حسن

تعلو الترانيم بألحان عذبة شجية، وتختلط بالمدائح الدينية، التى تصل واهنة إلى آذان الغلابة الجالسين بالقرب من حواف الجبل، يلتهمون من لحم الذبائح، ومرقها السابح فى صحون من الألومنيوم والبلاستيك الرخيص، وأرزهم يتصاعد منه بخار، ليملأ أنوف الآكلين، الذين يسترخون فى تلذذهم وهم يراقبون من يصعدون على مهل السلم الحجرى الطويل المؤدى إلى الكنيسة المحفورة فى قلب جبل الكف. مائة وست وستون درجة من صخر صوان، أبلتها أقدام حافية وأحذية ذات نعال خشنة على مدار قرون طويلة، لأناس إما أن ألقت بهم المراكب على الشاطئ الشرقى للنيل، أو أتوا إلى هنا سيراً على الأقدام، مسلمون ومسيحيون، ليوفوا نذراً لـ«أم المخلص»، ويبقوا إلى جوارها أسبوعاً كاملاً، حتى «عيد الصعود»، متجولين فى شوارع تحمل أسماء القديسين، أو نائمين إلى جانب الكنيسة القديمة.
هذا هو أول مشهد أتذكره حين كنت ولداً صغيراً معلقاً فى يد أبيه، وهو ذاهب إلى الليلة الكبيرة من «مولد العذراء» بجبل الطير فى المنيا، يدق الأرض بعصاه الغليظة، بعد أن ارتدى أفضل ثياب لديه. عند أول المولد نختلط بأناس يأتون من كل مكان، وفى أيديهم نذورهم، ذبائح وحلى ونقود، يرمون بعضها فى ماجور الفخار الذى استخدمته العائلة المقدسة فى عجن الدقيق لصنع الخبز، آملين فى شفاء العلل وزيادة الرزق وذهاب الكدر. كانوا يصدحون بالغناء:
«يا عتبة العدرا يا محلا عتبها
افتحوا للزايرة تنصر ولدها
يا عتبة العدرا يا محلا هواها».
كنت أنفلت من يد أبى، وأجرى لأتابع القساوسة المنهمكين فى تعميد الأطفال، الذكر بعد أربعين يوماً من ولادته، والأنثى بعد ثمانين. يجردونهم من ملابسهم، ويغطسونهم فى مياه مقدسة، قرأوا عليها تعاويذ وترانيم، وصبوا فيها زيتاً مباركاً. وخلفهم تقف الأمهات رافعات أيديهن ليقسمن على أنهن سيربين الصغار على تعاليم المسيح.
وأحياناً كنت أقف عند نسوة عاقرات يهرولن نحو «الشق» الصخرى الذى اختبأت فيه العائلة المقدسة، ويدخلن فيه بكل أجسادهن، ويظللن ماكثات وقتاً كافياً، وحين يخرجن يمسحن براحات الأيادى على الصور والهيكل والمعمودية الأثرية، حتى تحل البركة بأرحامهن، وينجبن البنين والبنات. وكان يحلو لى أن أقف مشدوهاً أمام فتى نحيل، يهز جسده فى فرح، انتظاراً لزبائنه من الأطفال والكبار، رجالاً ونساء، الذين يقبلون عليه لرسم الصلبان وصور القديسين وأسمائهم بحروف عربية أو أجنبية، على سواعدهم. يرش من زجاجة بنجاً موضعياً، ويلتقط من جانبه جهازاً يرش على الجلد حبراً مخلوطاً بدواء خفيف ومضاد حيوى يمنع التقرح، يمد أذنه ليتلفط من فم الزبون ما يريده، ثم يبدأ فوراً فى تنفيذ طلبه.
بعدها أمر بصفوف من باعة الحمص والفول السودانى والخروب والبلح والحلوى، وألعاب الأطفال مختلفة الأشكال والألوان، شخاليل وطراطير ومزامير وفوانيس، أمعن النظر فيهم وهم مقبلون على البيع والشراء بنفوس راضية، وأرى الصغار الذى يجرون نحو المراجيح وألعاب البخت والأراجوز وصندوق الدنيا والنيشان ولعبة المدفع، لكننى أترك كل هذا وأجرى نحو المكان الذى اعتدت عليه، هناك عند الكنيسة.
أقف على طرف حشد هائل من الناس، وأشاركهم فى اهتمام وهم يتابعون قساً يغرس عينيه فى النجوم، ويقول: انظروا إلى السماء جيداً، إنها هناك، ترسل إليكم المحبة والسلام. فترتفع الهامات فى الأفق البعيد، ويمد البعض أياديهم إلى أعلى، وهم يرتلون مزامير وأدعية، وبعضهم يصيح فى فرح.
يرفع القس إصبعه فى خط مستقيم، ويشير إلى جوف الفضاء ويقول: ها هى المطوبة، تظهر لنا نوراً أبيض، سرعان ما يصير حمامة بيضاء، تطير فوق الكنيسة، ثم يتلو ترانيم فى خشوع.
بعض من يحفظون هذه الترانيم أو طرفاً منها يرددون معه، وهناك من يخطفون آخر الحروف ويلوون ألسنتهم لتصدر نغماً متماشياً مع الكلمات، لكن جميعهم متحدون فى النظر إلى أعلى، تماماً باتجاه إصبع القس، الذى كان قد فرد راحة يده فأصبح ساعده كله وكفه فى اتجاه السماء الصافية.
يدعك البعض عيونهم، ويشخصونها من جديد، ثم يهزون رؤوسهم، بينما يقتحم آذانهم قول القس لهم: لن يراها إلا الأتقياء والمخلصون منكم. فيخفضون رؤوسهم متحسرين، ويتفرس بعضهم فى ملامح البعض، وعيونهم تسكب لوماً، وبعضهم يتنهد متوجعاً، ويكتم كل شىء فى صدره صامتاً، وهناك من يتمتم بحروف لا يسمعها غيره.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مولد العذراء مريم مولد العذراء مريم



GMT 18:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 18:29 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 18:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 18:25 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

GMT 18:19 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شَغَف عبدالرحمان

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن الرفاعي!

GMT 18:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عكس الاتجاه هناك وهنا (4)

GMT 18:15 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة وتوابعها

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon