حلب موسكو بين الجريمة والهزيمة

حلب.. موسكو بين الجريمة والهزيمة

حلب.. موسكو بين الجريمة والهزيمة

 لبنان اليوم -

حلب موسكو بين الجريمة والهزيمة

بقلم : مصطفى فحص

من غارة طيران التحالف على مواقع النظام في دير الزور، التقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإشارة، وأدرك أن الطريق بين البيت الأبيض والبنتاغون ومؤسسات صناعة القرار الأميركي الأخرى مليئة بمطبات تعيق رغبته في تحقيق تقدم حاسم، وتجبره على تخفيض سرعة اندفاعه في سوريا، وكذلك في أوكرانيا، فهو في سباق مع الزمن قبل الوصول إلى الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، موعد خروج باراك أوباما من البيت الأبيض. وبالنسبة له، هو موعد الإعلان عن نهاية مرحلة سياسات التردد الأميركية، والانكفاء عن القضايا الدولّية. ففي واشنطن، بات من المسلم به، بغض النظر عن هوية الرئيس الجديد، أن تتجه مؤسسات الدولة الأميركية (الدفاع، والخارجية، والمخابرات، والكونغرس) إلى استرداد صلاحياتها من البيت الأبيض، التي كان باراك أوباما قد صادرها، وعطلها ليمرر رؤيته الخاصة في التعاطي مع كثير من الملفات الخارجية، التي في محطات كثيرة تعارضت مع ثوابت مصالح الأمن القومي الأميركي بعد الحرب الباردة.

في ولاية فيرجينيا، حيث مقر وزارة الدفاع الأميركية، لم يرق لكبار جنرالات الجيش رؤية وزير خارجية بلادهم جون كيريُيقر لنظيره الروسي المتعجرف سيرغي لافروف بانتصار مجاني في حلب. ففي جنيف، في ليلة البيتزا والفودكا، فشل كيري في تحقيق مطالب البنتاغون بفرض حظر جوي بالوسائل الدبلوماسية، فقدموا لرئيسهم عرضا بتوجيه ضربات عسكرية خاطفة تقضي على ما تبقى في ترسانة بشار الأسد من طائرات حربية ومروحيات، لكن البيت الأبيض كعادته تذرع بحججه غير المقنعة، ورفض العرض الذي لو نفذ لوضع الطائرات الروسية الحربية في مصيدة الاتهام المباشر بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين السوريين، بعد أن أصبحت وحدها تحلق فوق مناطق المعارضة.

بالنسبة لموسكو، ما وضعه البنتاغون على الطاولة هو مقدمة لتحول أميركي مقبل في التعاطي مع الملف السوري، وكان قد سبقه قرار لمجلس النواب الأميركي يسمح بإمداد أوكرانيا بالسلاح، وهي قرارات تنسجم مع اللهجة التصعيدية التي استخدمتها مندوبة الولايات المتحدة والمندوب البريطاني في مجلس الأمن، والتي أجمعت على وصف الأفعال العسكرية الروسية في حلب بالوحشية، واتهام موسكو بارتكاب جرائم حرب، مما دفع المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى اعتبارها تصريحات «تضر بعلاقاتنا».

ففي مجلس الأمن، لمست موسكو تحولا في المواقف، وأيقن وزير خارجيتها أن كلام الليل في جنيف يمحوه النهار في نيويورك، وأن ما كانت بلاده تحسبه نصًرا، كان قاب قوسين أو أدنى إلى إدانة أممية لها. فبعد سنة على تدخلها المباشر في الحرب السورية، لم تحقق موسكو كثيرا من طموحاتها، ولم تتجاوز حدود مكاسبها المحافظة على هيكل نظام عاجز عن تحقيق أي تقدم، دون تدخل طيرانها جًوا، ومرتزقة حليفتها طهران بًرا، وهي على الرغم مما يبذله لافروف من جهود دبلوماسية من أجل إقناع الرأي العام الدولي بوجهة نظرها بالحرب على الإرهاب، فإنها باتت في نظر الجميع شريكة للأسد في جرائمه.

اقترب العالم من رفع البطاقة الصفراء بوجه روسيا المسَتفزة، وممن تبقى لها من حلفاء في المنطقة، بتحقيق انتصار لن تناله دون الانغماس الكامل في الحرب، وهو قرار يتطلب إرسال المزيد من الجنود، واستخدام أكثر للطيران، مما سيضع الخزينة الروسية المنهكة أصلا أمام مصاعب مالية إضافية، فيما ستكون تكلفة الدم أكثر إيذاًء للروس، الذين لن يستطيعوا الدخول إلى حلب دون ارتكاب جريمة قد توصف بجريمة العصر، وستنعكس مباشرة على علاقتهم ودول المنطقة، التي ستتجاوز الخطوط الحمراء التي وِضعت منذ بداية الصراع، وتقوم بموافقة أميركية بتزويد المعارضة بالسلاح الذي كان محذورا عليها لسنوات، حيث يصبح (الستينغر وأشقاؤه) وفقا لما سّربته وكالة «رويترز»، مساء الاثنين، عن مصدر أميركي رسمي، الحّد الفاصل بين اقتناع بوتين بالتسوية أو الأفغنة.

على أبواب حلب، تقف موسكوُمربكة، وفي حوزتها القليل القليل من الوقت، وأمامها الكثير الكثير من الدم. فآلتها الحربية المدمرة الماحقة للمواطنين الأبرياء، يمكنها تحطيم الخصم، وهو يعرف أن دخول المدينة ليس بالعسير، إذا قرر استباحتها، لكنهُمكلف إذا تأخر في حسمها، وهو خيار يصعب التراجع عنه، على الرغم من تداعياته، لكن الحاجة إليه تبرر أثمانه، فقد بات بوتين أو يبدو هكذا أنه أسير كبريائه، لا يقوى على التراجع، فهو الذي غامر باستخدام القوة لفرض هيبة بلاده، ولا يمنعه أحد عن استخدامها حتى النهاية، لذلك هو أقرب إلى المضي في هذه المغامرة حتى النهاية، بغض النظر عن نتائجها، كخيار وحيد يحفظ له موقعه في التسوية، بعد أن رفع بنفسه سقف التحدي، وأصبح التراجع بمثابة الهزيمة

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب موسكو بين الجريمة والهزيمة حلب موسكو بين الجريمة والهزيمة



GMT 22:50 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بيروت ـــ بغداد... قضاء أم قدر؟

GMT 11:32 2024 الخميس ,22 آب / أغسطس

الصوت يعلو فوق صوت المعركة

GMT 13:22 2024 الجمعة ,16 آب / أغسطس

اللبنانيون المستجيرون بهوكستين

GMT 23:43 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

أخطاء إيرانية شائعة

GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 لبنان اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 01:05 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

تعلم لغة ثانية يعزز المرونة المعرفية لأطفال التوحد

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 08:03 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

جنوب سوريا شبيه لجنوب لبنان

GMT 12:33 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم ننعى إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon