المال السياسى والانتخابات البرلمانية

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

 لبنان اليوم -

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

مصطفي الفقي

كان الكاتب الصحفى الراحل «إسماعيل النقيب» عندما يريد أن يتحدث عن شخص لا يملك حرية رأيه يقول (سيدى: ليس فى بيتهم «طحين»!) للدلالة على أن من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية رأيه، وهذه العبارة العميقة من الكاتب المصرى الراحل تذكرنى دائمًا بمسألة الانتخابات، فإذا كان المال السياسى ينزل إلى الساحة بقوة فمن الطبيعى ألا تكون الانتخابات نزيهة ولا النتائج دقيقة، وحين يكون هناك مرشحان أحدهما أستاذ جامعى مرموق أو سياسى نزيه أو عالم كبير وفى مقابله رجل كون ثروته من طرق كثيرة لا داعى للخوض فيها، وهذا الأخير مستعد لأن يدفع على الأقل ألف جنيه مصرى فى الصوت الواحد ويكون هناك فقير يتضور جوعًا ولا يملك عشاء يومه أى ليس فى بيته «طحين» على حد تعبير الراحل «إسماعيل النقيب» فهل نتوقع من هذا المواطن المسكين أن يعطى صوته لمن يستحقه أم من يقدم له ما يسد رمقه ويرضى حاجته!، إننا أمام معادلة صعبة ذات تركيبة معقدة يجب أن نقف أمامها فى تجرد وموضوعية، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، ولست بذلك أبرر الفساد الانتخابى أو أوافق على شراء الذمم ولكننى أهبط إلى أرض الواقع لكى أقول الحقيقة عارية مجردة، ولقد قال «عبد الناصر» منذ عدة عقود «إن الحرية السياسية مرتبطة بالحرية الاقتصادية» و«إن تذكرة الانتخاب مقترنة برغيف الخبز»، ولعل جزءًا كبيرًا من الأصوات التى حصدها «الإخوان المسلمون» أيضًا فى الانتخابات السابقة يعتمد على المنح العينية والخدمات اليومية لفقراء «مصر» خصوصًا أن الجماعة ثرية بأموالها فى الداخل وفى الخارج بصورة قد لا يتصورها الكثيرون، من هذا المنطلق كله فإننى أبدى مخاوفى من التأثير المتزايد لما يمكن تسميته المال السياسى على الانتخابات البرلمانية أو حتى المحلية، إننا أمام ظاهرة عرفتها شعوب أخرى فى عالمنا المعاصر وعرفها المصريون عبر تاريخ انتخاباتهم منذ قرن ونصف.

ومازلنا نتذكر تقسيم الجنيه إلى نصفين ثم إلصاقه بعد التصويت، ونتذكر أيضًا «ورقة التصويت الدوارة» أو استخدام «الموبايل» فى تصوير خانة التصويت لصالح المرشح الذى يقوم برشوة الناخبين، إننى أعلم أنه من المستحيل الخلاص من هذا الذى يحدث، ولكن دعنا نحاول تدريجيًا توعية المواطن المصرى بأن تفريطه فى صوته هو ضرر مادى مباشر على حياته ومستقبل أولاده، فـ«الهنود» ـ الذين يملكون أكبر ديمقراطية فى العالم ـ هم أشد فقرًا منا وأكثر حاجة من معظمنا، ولكنَّ وعيهم السياسى وانتماءهم الوطنى يدفعانهم إلى تبنى النزاهة الكاملة عند التصويت فى الانتخابات، ويكفى أن نتذكر أن «أنديرا غاندى» رئيسة وزراء «الهند» قد سقطت فى دائرتها عندما شعر الناخب الهندى أنها لا تحقق له ما يريد أو أنها انحرفت عن المبادئ التى التزمت بها، ثم عادت بعد أقل من عامين بأغلبية كاسحة إلى منصبها، لأن المواطن الهندى المستنير جرب غيرها ورأى أنه من الأفضل العودة إليها «بعد التعديلات»، ليت مواطنينا يمضون على نفس الطريق ويدركون أن الصوت الانتخابى حق لصاحبه، يجب أن يسعى إليه وأن يعمل على الحفاظ عليه، وأن يدرك أن الذين يشترون صوته إنما يمارسون نوعًا من «بلطجة الثراء» و«الفساد السياسى» و«تزييف إرادة الناس» وعليه أن يدرك أيضًا أن اختيار المرشح الأكثر تعليمًا والأعمق تجربة والأكثر خبرة يصب فى النهاية لصالحه كمواطن قبل غيره، كما أن «البرلمان» النزيه القوى هو خير ضمان لمستقبل أجيالنا القادمة، وهو كذلك عنصر التوازن فى حياتنا السياسية، ويمكن أن يكون داعمًا لرئيس الجمهورية وليس خصمًا له مادام الجميع يعملون عبر قنوات وطنية تصب فى المصالح العليا للبلاد ولا يوجد تناقض أو تعارض بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، بل إن الكل يعمل فى توافق وانسجام وفى حدود معترف بها، فلا طغيان للسلطة التنفيذية على ما عداها خصوصًا أن تلك هى ظاهرة مصرية صاحبت نظامنا السياسى عبر التاريخ لأن «مصر» تملك جهازًا إداريا «فرعونيًا» صلبًا يقوم على سلطة تنفيذية سيطرت عبر القرون وكانت دائمًا أكثر تأثيرًا من السلطتين التشريعية والقضائية، وربما كان جزء كبير من الانتقادات التى توجه لتاريخ «البوليس» المصرى والشرطة الوطنية بعد ذلك هو أنهما أداة البطش لدى السلطة التنفيذية عند الحاجة، ولذلك فإننى أشعر أننا قد ظلمنا رجال الشرطة بأننا قد حملناهم ما عليهم وما ليس عليهم، بدءًا من مواجهة أزمة «إنفلونزا الطيور» وصولًا إلى مكافحة «الإرهاب» مرورًا بـ«التشريفات الرسمية» ومباريات كرة القدم والانتخابات العامة وغير ذلك من الالتزامات التى وضعناها على كاهل الشرطة المصرية، حيث فرغنا الحياة السياسية من كل مقوماتها ووقفنا نرقب الأجهزة الأمنية فيما تفعل، إن قضية المال السياسى أخطر من أن يتم تناولها باعتبارها ظاهرة عابرة، إذ يجب تناولها كمرض ثقافى واجتماعى يحتاج إلى هزة عنيفة وتغيير عميق ينهى أسطورة شراء الأصوات وتخريب الذمم وضرب الديمقراطية الحقيقية!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المال السياسى والانتخابات البرلمانية المال السياسى والانتخابات البرلمانية



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:53 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 لبنان اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 06:42 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
 لبنان اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"

GMT 18:43 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز سيدات لبنان على سوريا في بطولة غرب آسيا لكرة السلة

GMT 22:09 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 سيارات دفع رباعي حديثة ومريحة على الطرق الوعرة

GMT 07:24 2023 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي عن عمر يُناهز 73 عامًا

GMT 17:19 2015 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هاميلتون يؤكد أنّ شوماخر بطل سباقات السيارات على مر العصور

GMT 14:35 2014 الخميس ,04 أيلول / سبتمبر

شريط فيديو جديد لدبلوماسي سعودي مختطف في اليمن

GMT 08:17 2022 الإثنين ,30 أيار / مايو

السعودية وأميركا... قوة المنطق

GMT 18:23 2021 الأربعاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

قرداحي يعدد ما تعلمه من أزمته الأخيرة ويؤكد شعوره بالظلم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon