الخروج من الوصاية

الخروج من الوصاية

الخروج من الوصاية

 لبنان اليوم -

الخروج من الوصاية

عمرو الشوبكي

مقال «سلطة الوصاية»، الذي نشرته الخميس الماضى، أثار نقاشاً وجدلاً في تعليقات كثير من القراء، أحد هذه التعليقات جاءت من المهندس حازم راضى، وهى عبارة عن مقالة عميقة مضموناً وشكلاً، وهى تضيف جوانب أخرى للمقال الأصلى وجاء فيها:

بعد التحية العطرة والشكر الجزيل لكتاباتك، فقد قرأت مقالك اليوم 11/02/2016، والذى يتحدث عن كيفية حكم المجتمع لنفسه بدون وصاية من السلطة الحاكمة، وقد أثارت في فكرى بعض الأفكار التي أردت أن أتشاركها معكم.

الحقيقة أن هذا الموضوع متشعب بدرجة كبيرة، حيث إن فكرة الدولة منذ قيامها إبان الحضارة اليونانية والرومانية تقوم على تفويض المجتمع لبعض الناس بإدارة شؤونهم ومواردهم لتحقيق الأهداف المجتمعية وهى ضمان الأمن والغذاء والتعليم والصحة، ثم رفاهية الإنسان، وقامت فكرة الديمقراطية أساساً لتساعد المجتمع أن ينتقى الأصلح والأجدر لشغل هذه المناصب وضمان سلمية وعدالة التنافس بين الناس حتى لا تتحول التناقضات إلى حروب وقتال.

ولكن من وجهة نظرى لابد وأن تتوافر شروط معينة في هذا المجتمع الذي قد يصلح أن يحكم نفسه بنفسه دون وصاية، ومن أهم هذه الشروط برأيى أن تكون هناك درجة أو حد أدنى من التعليم والثقافة تضمن أن ينتج المجتمع أفراداً لهم أهداف مشتركة ومحددة ويؤمنون بالدولة ويدافعون ويحافطون عليها، وقد يختلفون في أساليبهم ولكن تظل أهدافهم واحدة.

إن الناظر اليوم إلى المجتمع المصرى يجده مليئاً بالأمراض الاجتماعية، والتى اختلفت أسبابها، ولكن ترجع بنسبة كبيرة إلى تدهور التعليم والثقافة في العصور الماضية، ما جعلنا مجتمعاً يكره المتعلمين والمثقفين ويرفضهم ويفشلهم في جهودهم، ووصل به الأمر إلى تكفيرهم وسجنهم.

الحقيقة أن المجتمع المصرى تمرد على حاله وأحواله في ثورة 25 يناير، واستعاد السيطرة على مقدراته خلال الـ18 يوماً في ميدان التحرير.. وتمرد أيضا على الجماعة التي كانت تخون الوطن وتبيعه من أجل السلطة.. ولكن إذا نظرنا عميقاً فإن الشعب المصرى بعد ذلك لم يهدأ حتى يسلم أموره إلى أناس يثق بهم، ويؤمن أنهم مستأمنون على هذا الوطن، وفى هذه الظروف كان الجيش هو المأمن الوحيد له بعد إزاحة مبارك وأمام عنف الإخوان.. إننى أتفق معك أنه بسبب ضعف المجتمع المدنى المصرى فإنه لم يفرز بعد رجالاً يستطيعون أن ينالوا ثقة هذا الشعب بسبب هذه الأمراض الاجتماعية التي نعانيها، ولكن هذا الحال لابد وأن ينصلح.. كيف.. لا أدرى..!!

إن من أهم مميزات الديمقراطية، بل في وجهة نظرى هي الميزة الوحيدة، أنها نظام شامل قادر على علاج الأخطاء التي قد تحدث خلال التاريخ.. إن الديمقراطية هي ثقافة الاختلاف والتنوع من أجل تحقيق هدف مشترك الذي يؤدى إلى الازدهار والتنمية المستدامة، كما أنها عملية مستمرة منذ الصغر وحتى تصل إلى أكبر المستويات في الدولة والمجتمع.

إن فكرة الديمقراطية التي كانت تعنى أن يسلم الشعب تماماً مقاديره إلى أناس لهم سلطة مطلقة على الشعب، حتى لو كانت بطريقة انتخابات نزيهة هي فكرة انتهت منذ زمن بعيد، بعد أن تبين أنها قد تصل بأناس مثل هتلر أو موسولينى أو ستالين إلى الحكم فتؤدى إلى حروب ودمار للبشرية.

وهنا تقع إشكالية الوصاية على المجتمع التي مارستها دول الحلفاء على ألمانيا واليابان.. كما مورست في إندونيسيا وكوريا الجنوبية وفى سنغافورة وتايوان.. والآن بعد عقود من التعليم يمكن أن نقول إن هذه المجتمعات أصبحت مجتمعات صحية اجتماعياً، وتتجذر فيها الديمقراطية، ولا نجد فيها خلافات تتحول إلى حروب أهلية أو قبلية، ويمكن أن يحكم الناس أنفسهم من دون وصاية من سلطة عليا.

في وجهة نظرى أن الديمقراطية تعنى أن يجد المجتمع سبيلاً سليماً لنقل تفويض السلطات من فرد إلى فرد أو من حزب إلى حزب.. أو من كيان سياسى إلى آخر بسهولة، دون أن تتأثر الدولة أو تتغير بنية المجتمع الديمقراطى، ولن يسلم الشعب مقاديره تماماً إلى هذه السلطة دون مراقبة أو حساب، وإن تعددت الطرق من مجلس نواب أو صحافة وإعلام حر أو من مؤسسات مدنية تراقب وترصد.. ولكن لن يتأتى هذا من دون مجتمع واع ومتعلم ومثقف يعرف أنه يحتاج إلى العلم دائماً ويتعلم من أخطائه وأخطاء غيره.

هذا المجتمع.. كيف يمكن الوصول إليه؟! لا أعرف.. متى نصل إليه.. بالتأكيد بعد زمن طويل، ولكن لابد أن نبدأ الآن وإلا فسنخسر السباق مع الآخرين لأنهم سبقونا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخروج من الوصاية الخروج من الوصاية



GMT 19:27 2024 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

في الحنين إلى صدّام

GMT 20:10 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

حثاثة في برلين

GMT 16:47 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

ليس لدي جواب

GMT 17:51 2023 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

كره الابن

GMT 18:49 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

بالعودة إلى كلام نبيل ونادر في أيّامنا

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon