الطائرة والناس

الطائرة والناس

الطائرة والناس

 لبنان اليوم -

الطائرة والناس

عمرو الشوبكي

مأساة الطائرة الروسية تعكس حجم التدهور الذى أصاب أداءنا العام، وجعلتنا نخسر المعركة الإنسانية والأخلاقية، ولا نربح معركة السياحة، فالتعامل مع الطائرة الروسية باعتبارها طائرة جماد سقطت على الأرض خردة بلا بشر، واختزال القضية فى تأثيرها على السياحة، دون إبداء أى تعاطف أو إشارة تضامن واحدة مع ضحايا الحادث، المرجح أن يكون إرهابيا، قد جعل صورتنا داخل روسيا وخارجها سلبية للغاية.

ولعل ما لفت نظرى لهذا السلوك المعيب هو رسالة جاءتنى الأسبوع الماضى من حامد حسبو، وهو يعمل فى أحد فنادق الخمس نجوم الكبرى فى شرم الشيخ، وذكر أن 5 منها أغلقت بالكامل، وأن معظم الفنادق وشركات السياحة أعطت العاملين فيها إجازة مفتوحة، وأن كل المحال التجارية لا تعرف ما هو مصيرها فى ظل انعدام وجود السياح، فى وقت كان يتحدث فيه المسؤولون عن قدوم آلاف السياح الذين لم يتأثروا بـ«الدعاية المغرضة» والمؤامرة المفروضة على مصر.

واستنكر حامد عدم تذكر ضحايا الطائرة من الأبرياء الروس، والتى كانت على متنها أسر كاملة من أطفال ونساء ورجال قضوا جميعا دون أن يتذكرهم مسؤول واحد فى مصر (إلا المشهد الاحتفالى بوضع علم روسيا مع فرنسا ولبنان عند أهرامات الجيزة) بكلمة أو بحفل تأبين، وحتى حين قرر من تبقى من السياسيين فى مصر أن يؤدوا واجب العزاء فى السفارة الروسية، بدلاً من الحكومة الصامتة، نالوا هجوما إعلاميا فجا.

والحقيقة أن الصمت الرسمى والإعلامى عن ضحايا الطائرة الروسية، وحديثنا فقط عن المؤامرة، وحفلات الغناء والرقص التى أشعلناها عقب الحادث مباشرة من أجل عودة السياحة قد جعلت «منظرنا» أمام الشعب الروسى وإعلامه مخجلا.

صحيح أن من حقنا أن نتألم لتداعيات انهيار السياحة فى شرم الشيخ، وأن نعمل على استعادتها بكل الطرق، وأولها سيكون بتذكر المدنيين الذين سقطوا داخل أرضنا، وتوجيه رسالة تضامن مع ذويهم وشعبهم وليس تجاهلهم بهذه الطريقة وكأن الطائرة كانت خالية من البشر والناس.

والحقيقة أن مصر عرفت حادث سقوط طائرة فى شرم الشيخ فى 3 يناير 2004، حين سقطت طائرة الخطوط الفرنسية بسبب عطل فنى، ومازلت أذكر أن السيدة سوزان مبارك ذهبت إلى هناك وأقامت نصبا تذكاريا لضحايا الطائرة، وألقت باقات الزهور فى عرض البحر، وأذكر أيضا أنى حين علقت على هذا الموضوع وقتها كان فى إطار نقدى، ليس اعتراضاً على هذا التصرف إنما لعدم تكراره مرة أخرى، حين غرقت فى فبراير 2006 العبّارة المصرية الشهيرة (راجع مقال «غرق العبارة أم النظام» فى 9 فبراير 2006) وكيف تجاهلت السلطات المصرية أولاً نداءات الاستغاثة ولم تتحرك فرق الإنقاذ إلا بعد 9 ساعات، وبعد أن تحركت اهتم مبارك وأسرته بنهائى بطولة أفريقيا ونسى أن هناك ألف شخص من أبناء شعبه ماتوا فى عرض البحر.

مؤسف أن المشهد الذى انتقدته حينها لتصرف الدولة مع ضحايا الطائرة الفرنسية بسبب تذكر الأجانب ونسيان المصريين، أصبح فضيلة الآن بعد أن غاب التضامن مع ضحايا السيول من المصريين وضحايا الطائرة من الروس، ونسينا أننا نتحمل من الناحية الأخلاقية والسياسية والأمنية مسؤولية سقوطهم على أرضنا.

ليس مطلوبا أن نتضامن مع ضحايا الطائرة الروسية وننسى أزماتنا وضحايا انهيار السياحة، إنما كان فى يدنا أن نقوم بالاثنين مثل كل بلاد الدنيا، لأننا بلد يطلب من العالم كل يوم مساعدته فى حربه ضد الإرهاب، وننسى أو نتناسى أن لدينا واجبا أيضا تجاه هذا العالم، خاصة الدول التى نعتبرها صديقة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطائرة والناس الطائرة والناس



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon