درس العراق

درس العراق

درس العراق

 لبنان اليوم -

درس العراق

بقلم : عمرو الشوبكي

سيعتبر من اختزلوا العمل السياسى فى المظاهرات الاحتجاجية أن اقتحام البرلمان العراقى وتحطيم جانب من أثاثه والاعتداء على بعض موظفيه ونوابه عمل بطولى وانتصار ثورى كبير، والمؤكد أيضا أن دعاة الاستقرار، والحمد لله أن مصر ليست سوريا والعراق، سيعتبرونه دليلا على نجاح مصر وفشل التجربة العراقية المصنعة خارج الحدود، والتى هدمت الدولة وحلت الجيش، فكانت الكارثة الكبرى.

والحقيقة أن الدرس الأكبر القادم من العراق ليس فى اقتحام البرلمان، على ما فيه من دلالة ورمزية، إنما فى وجود طرف حزبى وسياسى هو التيار الصدرى، ممثلا فى البرلمان، وجزء من العملية السياسية، يعلن تمرده عليها من خلال رفضه للحكومة الحالية التى شكلتها أحزاب الأغلبية فى البرلمان، وطرح بدلا منها حكومة خبراء (تكنوقراط) بعيدا عن المحاصصة السياسية والحزبية، مع ملاحظة أن التيار الصدرى ليس تنظيما ثوريا يعمل خارج المنظومة السياسية الشرعية، إنما هو حزب سياسى وقانونى يعمل من داخلها، وله نواب داخل البرلمان العراقى (جبهة أحرار العراق).

والمؤكد أن تجربة التيار الصدرى فى العراق تقاطعت مع تجارب تيارات أخرى رفضت العملية السياسية بصور مختلفة، بعضها استدعى الجيش، والبعض الآخر استدعى أطرافا خارجية، والبعض الثالث رفض القواعد البديهية التى قامت عليها العملية السياسية، برفضه أن يشكل حزب أو تحالف الأغلبية الحكومة، وإذا كان الجيش العراقى بقى على قوته القديمة أو كان فى وضع شبيه بالوضع المصرى لكنا وجدنا التيار الصدرى فى العراق أو غيره يطالب الجيش بالتدخل فى العملية السياسية ورفض الحزبية، بحثا عن نظام قوى يأمر زعيمه فيطاع، ويعيد الانضباط للدولة المترهلة والمجتمع المنقسم.

ومع اتفاقنا أن الوضع فى العراق هو تقريبا عكس الوضع المصرى، إلا أن المقارنة لافتة فى زاوية وحيدة، أن ما جرى فى العراق هو عكس مطلب قوى المعارضة المصرية التى تؤكد أننا نعيش فى ظل نظام غير سياسى وترفض تهميش الأحزاب والتيارات السياسية، فى حين أن فى العراق هناك فصيلا سياسيا يطالب بنفسه وبمحض إرادته (وبعيدا عن حساباته ودوافعه)، ومستندا على ظهير شعبى كبير، بتهميش الأحزاب وعدم إعطائها الحق فى تشكيل الحكومة، واتهامها بنفس الاتهامات التى تتردد فى مصر بالحديث عن النخبة الحزبية الفاسدة.

يقينا الصوت الاحتجاجى الرافض لأى عملية سياسية مترهلة أو أصابها العطب أمر مشروع وعابر للقارات، فستجده فى تظاهرات الضمير فى أوروبا والدول الديمقراطية التى تعدل من المسار السياسى للحكومات وتجعلها تصحح من أخطائها، فى حين أنها فى عالمنا العربى تدور حول فكرة المخلص، سواء أخذت شكل حكومة الخبراء الأنقياء، بعيدا عن «السياسيين الملوثين»، كما فى العراق أو الجيش القوى الذى ينقذ الدولة من الفوضى والانهيار كما فى مصر، أو الزعيم الملهم والمستبد العادل كما اعتدنا.

والمؤكد أن هناك أسبابا موضوعية لاحتجاجات التيار الصدرى فى العراق، وقد يندفع الناس وراء دعم مطلبه بتشكيل حكومة كفاءات وخبراء بعيدا عن الحزبين، ولكنهم قد يكتشفون بعد فترة وجيزة أن هذا الخيار هو مجرد بحث فى السراب، ويعودون مرة أخرى للمعادلة السياسية والحزبية الطبيعية، بعد إصلاحها وتطويرها، مثلما حدث مع مجتمعات أخرى بحثت عن مخلصين فى ثوب آخر غير حكومة الكفاءات المستقلين، وعادت واكتشفت أن الحل فى توازن قوى بين أطراف وأحزاب سياسية فاعلة، وليس «توازنا ضعيفا» بين أطراف مصطنعة لا علاقة لها بالسياسة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

درس العراق درس العراق



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon