السياسة البائسة

السياسة البائسة

السياسة البائسة

 لبنان اليوم -

السياسة البائسة

بقلم : عمرو الشوبكي

حين تغيب السياسة بإرادة سلطوية أو أمنية فهناك كثيرون سيعترضون ويحتجون، ولكن أحيانا يختار بعض من يصفون أنفسهم بالمعارضين سياسات بائسة تكرس بقاء هذه السلطة تحت حجة أن النخبة السياسية ضعيفة ومنقسمة، ويساهمون فى بقاء المجتمع بلا قيم عليا وبلا رسالة، ويقدمون كما عودونا ألف هدية لسلطة الوصاية ومسوغات الاستمرار لأى حكم يرى أن الشعب لايزال غير مؤهل للديمقراطية وأن مجتمعه السياسى لا يصلح للحكم.

إن هذا المشهد العبثى تكرر فى مواقف كثيرة ومع شخصيات عديدة، ربما من أبرزها مواقف بعض الثوار وقلة من الحقوقيين وتيار واسع من الإسلاميين وحلفاء الإخوان فى التباهى برفض التضامن مع إبراهيم عيسى واتهامه بأنه غيّر مواقفه السياسية وهاجم الثوار، وأن هناك بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى من بعض المعارضين تطابقت تماما مع مواقف إعلام التطبيل المؤيد (مفارقة متكررة تحالف المطبلين مع بعض الثوار) حين تركت الموضوع الأصلى، وهو التضامن مع كاتب وصحفى وإعلامى أُغلق برنامجه بسبب آرائه المعارضة واستدعى للنيابة العامة للتحقيق ونقطة، وبين مناقشة آرائه السياسية وفتح ملفات لا علاقة لها بالموضوع الأصلى (حرية الرأى والتعبير) بالقول مثلا إنه هاجم بشدة مدرسة معروفة من ثوار يناير عقب 30 يونيو، وتحويل شهادته التى قالها بحق مبارك إلى شهادة زور لأنه قال إنه لم يكن هناك دليل على إعطائه أمرا بقتل المتظاهرين، وكأن مبارك لايزال فى السلطة يحتاج من ينافقه، فى حين أن ما فعله عيسى فعله قلة من الإعلاميين، وهو انتقاد مبارك حين كان فى السلطة وطى صفحته بعد أن تركها، فى حين استمر فى نقد السلطة الحالية بكل جرأة حين اختبأ كثيرون خلف الهجوم على مبارك، وهو خارج السلطة للتغطية على صمتهم على أخطاء الحكم الحالى.

مدهش وصادم أن يظل هناك تيار فى مصر يصفى حساباته السياسية بمنطق أن هناك فصائل محصنة، على رأسها ريشة، ويعتبر انتقاد كاتب مهما كانت حدته لشلة سياسية أو ثورية جريمة لا تغتفر؟ هل وصلنا إلى هذه الدرجة، أن يكون نقد فصيل أو تيار أمرا مجرما وغير مسموح به من قبل ناس يقولون إنهم فى المعارضة ويدعون الدفاع عن الديمقراطية وإذا مسست أحدا منهم برأى مخالف مارسوا استعلاء يذكرك بالاستعلاء الإخوانى، ويعتبرون انتقاد من وُصفوا بالثوار من المحرمات والجرائم.

يقينا الرأى يُرد عليه برأى آخر، والفكرة بفكرة أخرى، وليس مطلوبا الاتفاق مع كل ما يقوله أى كاتب مثل إبراهيم عيسى أو غيره، إنما المطلوب التوافق على القيمة العليا، أى عدم حبس الرأى الآخر والكلمة الحرة، فهى قيمة عليا لا يعرفها إلا الأسوياء، وإذا كنت تعتبر نفسك معارضا وديمقراطيا وتشمت فى خصمك السياسى، ليس حين يفشل فى الانتخابات مثلا، ولكن حين يُعتدى على حريته وعلى حقه فى أن يقول رأيه، فتأكد أن نظرية المجتمع السياسى غير قادر على الحكم ويحتاج إلى سلطة وصاية كسبت مائة نقطة.

معضلة بعض تيارات المراهقة الثورية وبعض التيارات الإسلامية وبعض المدارس الحقوقية هى تلك النظرة الانتقائية فى الموقف والاستعلائية على خلق الله، وكراهية المخالفين فى الرأى بصورة أكبر بكثير من كراهيتهم للحكم الحالى ولأى سلطة وصاية.

ولأن النظام الديمقراطى يعنى قبول التنوع والخلاف السياسى وإدارته بشكل سلمى، فإن القبول بضرب أحد أركان الديمقراطية (وليس الخلاف فى الرأى) أى حرية الرأى والتعبير، لأنها مست من نختلف معه، يعنى أننا لن نخرج من سلطة الوصاية.

إن النظام الحالى والدور الذى يلعبه الجيش فى الحياة العامة والسياسية لم يأت من فراغ، إنما هو فى جانب مهم منه يأتى من فشل التيارات المدنية فى إدارة صراعاتها السياسية بشكل ديمقراطى ومواجهة بعضها البعض وفق قواعد الدستور والقانون.

المؤسف أن بعض من رفضوا التضامن مع عيسى يدعون أنهم مدافعون عن حقوق الإنسان ومع حرية الرأى والتعبير، فإذا كنتم تفعلون ذلك وأنتم خارج السلطة فماذا ستفعلون إذا لا قدر الله وصلتم لها؟ وهل بهذه الطريقة يمكن أن يتقدم المجتمع السياسى خطوة للأمام ويدخل فى مرحلة شراكة مع سلطة الدولة العميقة بدلا من التهميش الحالى، إذا كانت أطرافه السياسية تدير صراعاتها بطريقة الشماتة والانتقام، وغياب أى تمييز بين الخلاف السياسى والقيم العليا التى تحكم المجتمع وتياراته السياسية؟

طالما ظل المجتمع السياسى صورته بهذا الشكل وإدارته لخلافاته بهذه الطريقة فبالتأكيد سنظل كما نحن محلك سر، وستبقى سلطة الوصاية لعقود جديدة مرتكزة على مقولة: المجتمع غير مؤهل للديمقراطية، والمجتمع السياسى غير قادر على التوافق حتى على مبادئ الديمقراطية، وسيظل هناك أمل فى تعديل شروط الوصاية من قبل أطراف أو أشخاص أو توجهات من داخل سلطة الوصاية تعى أن الشعب رقم والمجتمع السياسى مطلوب بعيدا عن أعداء حرية الرأى والتعبير ممن يدعون أنهم من المدافعين عنها

المصدر : صحيفة المصري اليوم

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة البائسة السياسة البائسة



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon