الشعوب الحيةّ

الشعوب الحيةّ!

الشعوب الحيةّ!

 لبنان اليوم -

الشعوب الحيةّ

بقلم : عمرو الشوبكي

التظاهرات التى شهدتها الولايات المتحدة وعواصم عالمية كبرى، عشية تنصيب دونالد ترامب رئيسا، أكدت أن الشعوب مازالت حية، وأن نتائج الانتخابات التى يجب احترامها لا تعنى إخراج الشعوب من المعادلة السياسية، حين تدافع عن قيم عليا، لا أن «تتكعبل» فى تفاهات، وتتعايش مع الجهل والقبح والتخلف.

600 مظاهرة احتجاجية، داخل أمريكا وخارجها، ومليونيات مكتملة فى واشنطن ونيويورك وغيرها من المدن الأمريكية الكبرى، وأخرى فى لندن وباريس وروما وغيرها انتفضت فيها الشعوب ضد رجل اعتبرته يمثل تهديدا لقيمها ولمبادئ الديمقراطية التى حمت مجتمعاتها من الحروب والدماء.

ملايين الأمريكيين نزلوا الشوارع فى محاولة لردع الرئيس المنتخب عن الانحراف عما توافق عليه المجتمع من قيم أساسية. صحيح هو منتخب بشكل ديمقراطى. وصحيح أيضا أن هدف المظاهرات ليس إسقاطه، إنما الضغط عليه بالقول إن المجتمع بجمهوره الواسع ونخبته الملهمة لن يقبل بالعنصرية، ولا بإهانة المرأة، ولا بأى مساس بحرية الرأى والتعبير، ولا بطرد المهاجرين، سواء كانوا مسلمين أو مكسيكيين.

الشارع آلية ضغط كبيرة فى المجتمعات الديمقراطية، ولكنه لا يعنى بالضرورة امتلاك القدرة على تغيير توجهات صانع القرار، فالمظاهرات المناوئة للحرب الأمريكية فى العراق، والملايين التى نزلت شوارع بريطانيا بصورة غير مسبوقة لم تستطع منع بوش ولا بلير من غزو العراق.

صحيح أن تحرك الشارع هذه المرة مختلف، فالانقسام على قضايا داخلية يجعل أدوات الضغط والتأثير أكبر بكثير من القضايا الخارجية، وما شهدته الولايات المتحدة من مظاهرات حاشدة مشهد لم تره من قبل، لأنه جاء مباشرة عقب فوز رئيس فى انتخابات ديمقراطية، وبالتالى فإن الاعتراض ليس على إجراء أو موقف اتخذه، إنما على جوهر القيم التى يمثلها، والتى هى عكس ما آمن به الناس وترسخ فى نفوسهم على مدار عقود من احترام الديمقراطية والمساواة والعدالة.

الشعوب الحية قادرة على الرفض حين تشعر أن قيمها مهددة، أو أنها تهان أو يتم تجاهلها. حدث ذلك فى الغرب كما فى الشرق. وحدث فى مصر عقب ثورة يناير، حين خرجت الملايين فى الشوارع، احتجاجا على إخراجها من أى معادلة عقب تزوير انتخابات 2010 بصورة فجة ومهينة، وبعد أن شعر الناس بأن مشروع التوريث يجرى فى الظلام على قدم وساق، وكأن الوطن والشعب ليسا فى الحسبان.

لقد خرج الشعب المصرى فى 25 يناير دفاعا عن قيم مدنية لم يتبنّها كل الشعب، وغابت عن الثلث المعطل (النسبة التى سبق أن ذكرناها لدى قطاع من الشعب ضحية الأمية والعوز الاقتصادى والثقافة المتدنية) إلا أن رياحها وصلت للأغلبية الفاعلة فى المجتمع المصرى، فثارت، واحتجت، وأسقطت مبارك الرئيس غير المنتخب ديمقراطيا، ودلت على أن الشعب المصرى لم يمت ولايزال حيا.

صحيح أن ما جرى فى السنوات الثلاث الماضية ولأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بطبيعة ثورة يناير نفسها، وأيضا بالحكم الذى جاء عقب الثورة- دفع قطاعا من الناس إلى التشكك فى القيم التى دافعوا عنها، بل حتى فى قدرتهم على الاختيار والتغيير، وأصبح هناك استسلام لسلطة الوصاية التى جاءت، عقب وصول الإخوان للحكم، والتى اعتبرت أن الذى فشل لم يكن فقط الإخوان، إنما الشعب الذى أوصلهم للسلطة (ولو بـ51%) فلا داعى لأن يكون للشعب أى دور فى الاختيار، وعليه ان يسلم أمره لمن يعرف مصلحته أكثر منه.

وراجت مفاهيم الشعب الجاهل (بعد أن كان عظيما وقائدا أثناء ثورة يناير) غير المهيأ للديمقراطية، واتخذت إجراءات اقتصادية جريئة وبعضها مطلوب، ولكن ثمنها كان فادحا على الناس، ومع ذلك لم يناقشهم أحد فى ضرورتها ولا فى البدائل التى تقدمها الحكومة للتخفيف عنهم، إنما شعارات عنترية واتهامات للمعارضين بالخيانة والعمالة.

ولكى تكتمل الصورة فلابد أن تكون صورة المؤسسات المدنية المنتخبة هزيلة لدى الرأى العام وحتى الرقابة على السلطة التنفيذية وفتح ملفات الفساد (قضية فساد القمح الذى كان البرلمان أول من فتح ملفاته)، التى أغلقت سريعا لصالح دور وحيد للأجهزة السيادية، وأطلق البلطجية على خلق الله، وانتهك الدستور والقانون وأحكام القضاء حتى تبدو النخبة المدنية فاشلة وبذيئة، وحتى يكون هناك مبرر لإقصاء الناس واستمرار سلطة الوصاية.

نعم «الثلث المعطل» خارج ثقافة الشعوب الحية، فهو سعيد بحاله ويردد ما يردده بعض الإعلاميين بأننا أسرنا قائد الأسطول السادس الأمريكى، وأن العالم يتآمر علينا، (وينسى أننا نطلب من هذا العالم كل يوم أن يساعدنا اقتصاديا وسياسيا، بل أن يقرضنا)، بل إن هناك من هو سعيد بوصول ترامب للسلطة رغم ثقافته الدينية التقليدية (ولو طلب تأشيرة دخول أمريكا ترامب، فلن يحصل عليها)، لأنه أصبح ضحية للتجهيل وثقافة الثلث المعطل.

ومع ذلك مازالت قيم الشعوب الحية موجودة داخل القطاع الأكبر من أى شعب، ومن هم على الضفة الأخرى من هذه القيم فى بلد مثل أمريكا لديهم أسباب لدعمهم ترامب، فهم يرون أن بلدهم غنى وقوى، ولذا هو مستهدف بالهجرة، فيطالبون بتقييدها، ويعانون من حوادث إرهابية، فوجدوا أن من قاموا بها مسلمون، فتصوروا أن الحل فى منعهم من دخول أمريكا، فى حين أن أعداء القيم الحية والشعوب الحية عندنا هم ضد أنفسهم أساسا، ولا ينتمون للخطاب المحافظ أو الوطنية المتشددة التى تشهدها دول متقدمة، رأت أن ثراءها يهدده الأجانب، أما عندنا فهم يدافعون عن الجهل والعوز الاقتصادى وعن قيم تكرس حالنا البائس.

المصدر: المصري اليوم

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعوب الحيةّ الشعوب الحيةّ



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 07:22 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

مرسيدس تكشف النقاب عن نسختها الجديدة GLC

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 18:54 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

رحمة رياض تعود إلى الشعر "الكيرلي" لتغير شكلها

GMT 13:05 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 19:26 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

عائشة بن أحمد مطلوبة أمام النيابة في "ملف سري"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon