بقلم - عمرو الشوبكي
نظريات الصراع الطبقى قديمة، وبلورتها الماركسية فى القرن الماضى فى أحزاب شيوعية حكمت بلدانا كثيرة وفشلت، إلا أن قضايا الصراع بين الطبقات، والتى خففت فى السنوات الأخيرة بتعبير «الصراع الاجتماعى»، ظلت حاضرة، ونجحت النظم الديمقراطية فى إيجاد صور سلمية له، ضمنت الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق العمال، وحدت من استغلال أرباب الأعمال. وجاءت جائحة كورونا لتعيد جانبا من هذا الصراع، وإن بشكل جديد، فتحدثت تقارير كثيرة عن أن نسب المصابين بفيروس كورونا فى أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا من المهاجرين الأجانب، أو المواطنين الملونين، أكبر بكثير من البيض، كما هو واضح فى الولايات المتحدة، ومع ذلك نال الاثنان فرصا متساوية فى العلاج والحجر الصحى دون تمييز.
ورغم رسالة المساواة فى المصائب التى حملها «كورونا»، الذى لم يميز بين الفقير والغنى، ولم تفرق فى مقاومته أموال الأثرياء بالسفر إلى الخارج أو بالحصول على خدمة صحية متميزة، فإن البعض فى مصر أصر على الترويج لخطاب سطحى للتطاحن الطبقى لإثبات أن كل طبقة أو فئة اجتماعية هى المسؤولة عن انتشار الفيروس، فوجدنا من يحرضون ضد «الجهلاء»، وهم فى الحقيقة الكادحون الذين يذهبون إلى أعمالهم، وينشرون صور الازدحام فى الشوارع والميادين الشعبية، كالعتبة أو شبرا، باعتبار من يسيرون فيها هم فقط المسؤولون عن تزايد أعداد المصابين بالفيروس، ويتهمونهم بعدم الوعى.
فى المقابل، روج آخرون صورا كثيرة للقلة المترفة ممن يعيشون فى التجمعات السكنية المغلقة «الكمباوند» أو يذهبون إلى شواطئ العين السخنة أو الساحل الشمالى لقضاء عطلات نهاية الأسبوع، واعتبروهم المترفين الذين لا يشعرون بالناس، وأن لديهم حصانة خاصة تجعلهم فوق القانون، وقادرين على مخالفة الحظر والقواعد بجلسات سمر خلف الأسوار.
ورغم المبالغات وعدم دقة الكثير من الصور المتداولة حول سلوك كل طرف، مورست عمليات تحريض وكراهية متبادلة لا تحمل فى الحقيقة أى درجة من الوعى السياسى، ولم تعكس نضجا سياسيا تمثل مثلا فى صعود دور النقابات العمالية أو الجمعيات الأهلية لتدفع الأثرياء إلى المشاركة بصورة أكبر فى مساعدة المتضررين من وباء كورونا.
كما أن الخطاب المضاد الذى روج له بعض الأكثر تعليما وثراء لم يقدم تصورا رأسماليا أكثر إنسانية وإنتاجية للمجتمع، إنما مارس تحريضا سطحيا اتهم فيه من يجرون خلف لقمة عيشهم بأنهم السبب فى انتشار الوباء، وبطريقة فيها كثير من الاستعلاء.
علينا أن ننطلق من كون الأغنياء والفقراء ومتوسطى الحال فى مركب واحد، ويعيشون فى بلد واحد، وأن وباء كورونا لم يميز بينهم، بل إن نظرية أن الأثرياء فى مجتمعنا يمكن أن يحجزوا على أول طائرة للسفر خارج البلاد للعلاج أو حتى الفسحة قد انتهت على يد «كورونا»، فعلينا أن نتعظ ونبحث عن حلول مشتركة تفيد الجميع.