بقلم: عمرو الشوبكي
مع تصاعد تأثير تيارات اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، ومع تزايد فرص وصولها للحكم، حتى أصبحت القوة الثانية في بلد كبير مثل فرنسا، أعيد طرح السؤال حول قدرة المؤسسات الديمقراطية على تهذيب التطرف وضبط الشطط السياسى، مثلما حدث في الولايات المتحدة عقب انتخاب دونالد ترامب.
فمازال الكثيرون يتذكرون كيف تعاملت مؤسسات الدولة الأمريكية المستقلة والمحايدة والكفؤة مع قرار ترامب بمنع دخول مواطنى 7 دول مسلمة لأمريكا، فقد واجهته السلطة القضائية والإعلام والرأى العام وأجبرته على التراجع جزئيًا بأن سمح بدخول حاملى بطاقات الإقامة الدائمة من البلدان السبعة لأمريكا بعد مراجعة سفارات الولايات المتحدة في بلادهم.
وقد تكررت المواجهة بين المؤسسات والرئيس عقب رفضه الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، وإطلاقه سيلًا من الاتهامات الوهمية بوجود تزوير دون أي دليل، وقد حافظت المؤسسات على قوتها بحيادها ومهنيتها وليس ببطشها أو انحيازها لأهواء الرئيس.
لقد عجز ترامب أن يجد دائرة قضائية واحدة تقبل ادعاءه بوجود تزوير، ولم تقبل كل المحاكم دعاوى ترامب وطعونه، بما فيها المحكمة العليا التي عين ثلاثة من أعضائها واعتبرتها غير جادة ودون دليل، ولنا أن نتصور لو أن محكمة واحدة سايرت ترامب وحكمت على غير الحقيقة بأن هناك تزويرًا، أو أن القضاة الثلاثة الذين عينهم في المحكمة العليا خانوا ضميرهم والعدالة وقالوا إن هناك تزويرًا، لكنّا وجدنا مشهدًا مختلفًا لتداول السلطة الذي جرى وقتها.
لقد أوضحت هذه الأحداث وجود إرادتين متكاملتين: الأولى هي إرادة الشعب الحرة الذي اختار الديمقراطية، والثانية هي المؤسسات الأمريكية من قضاء وصحافة وشرطة وجيش وجهاز إدارى، جميعهم يعملون من أجل دستور، أو كما قال رئيس أركان الجيش الأمريكى: «نحن لا نحلف اليمين لملك أو ملكة أو طاغية أو ديكتاتور، نحن لا نحلف لفرد أو لقبيلة أو لدين، نحن نؤدى القسم على حماية الدستور الأمريكى».
لقد نجحت المؤسسات الأمريكية في مواجهة شطط الرئيس ترامب طوال أربع سنوات من حكمه، وأجبرته على مغادرة البيت الأبيض في الموعد المحدد (20 يناير 2021)، وقدمت رسالة أن الديمقراطية ودولة القانون لا تطلب فقط انتخابات حرة وأحزابًا قوية إنما أيضا مؤسسات محايدة ونزيهة قادرة على أن تواجه التطرف والشطط والكلام الأهوج بصرامة تطبيق القانون.
رسوخ تقاليد المؤسسات واستقلالها عن السلطة التنفيذية، سواء في أوروبا أو أمريكا، يجعل وصول تيارات أقصى اليمين أو أقصى اليسار تحديًا كبيرًا، ولكن يمكن التغلب عليه في حال إذا كان هناك قضاء مستقل وجيش وشرطة وإدارة غير تابعة لتوجه سياسى وحزبى تنحاز له وقت الأزمة، إنما يكون ولاؤها للدستور والقانون.
سيبقى سلاح مواجهة التطرف هو الشعب والرأى العام، ومعه مؤسسات الدولة المستقلة المهنية، ودونهما معًا ستغير قوى التطرف بلادها والعالم.