بقلم - عمرو الشوبكي
تعد ألمانيا أول نجاح أوروبى فى الحد من انتشار جائحة كورونا، وهو نجاح لبلد ليبرالى غربى يختلف نظامه السياسى عن النظام المركزى الصينى والذى نجح بدوره فى السيطرة على الفيروس بإجراءات علمية صارمة فى العزل والمراقبة.وجاء النجاح الألمانى فى وقت وصل فيه عدد المصابين بفيروس كورونا حول العالم إلى حوالى مليون و400 ألف شخص، توفى منهم 76 ألفًا، وشفى حوالى 300 ألف.
والمؤكد أن النظام الألمانى هو واحد من أكفأ النظم السياسية فى العالم وأكثرها إنتاجا وجدية ولم يخطئ الكثيرون حين وصفوه بـ«الماكينات الألمانية» فالبلد رغم أنه شهد عددا كبيرا من الإصابات بالفيروس بلغت حوالى مائة ألف، إلا أن عدد الوفيات ظل منخفضا مقارنة بالمأساة الإيطالية والإسبانية حيث بلغ حوالى 1800 شخص (فى إيطاليا 132 ألف مصاب مقابل حوالى 17 ألف وفاة).
والحقيقة أن عمل المنظومة الصحية الألمانية قام على فحص واسع للمواطنين وتحديد أماكن سكنهم (Testing and Tracking) فاقترب من مليون اختبار وهو أعلى رقم فى أوروبا، والثانى فى العالم بعد أمريكا (فى فرنسا بلغ حوالى ربع مليون فحص فقط)، وهو ما جعل قرارات الحكومة مبنية على معلومات دقيقة، فقررت حجرًا منزليًّا جزئيًّا فى كل البلاد ما عدا إقليم بافاريا، ولم تتوقف الحياة بشكل كامل فى برلين كما هو الحال فى فرنسا وإيطاليا، ولم تمنع الحكومة خروج الناس إلى الشوارع، واكتفت بإغلاق المدارس والجامعات ومنعت التجمعات. وشمل الفحص أيضا اختبارا لقوة جهاز المناعة، وهو الأمر الذى ساعد الحكومة فى معرفة ليس فقط أعداد المصابين إنما أيضا قدرتهم على التحمل.
وقد جهزت ألمانيا 25 ألف سرير بأجهزة تنفس صناعى (جارٍ إيصالها إلى 40 ألفًا) وهو يتجاوز بأكثر من الضعف البلد الثانى فى أوروبا من حيث التجهيزات أى فرنسا، ويدعمها نظام صحى هو بين الأقوى عالميًّا سواء من حيث الإنفاق الذى يبلغ حوالى 11% من الناتج الإجمالى المحلى أو من حيث نسبة الأطباء التى تبلغ 3.3 طبيب لكل ألف شخص.
وعلى المستوى الاجتماعى فإن نسب الاختلاط بين كبار السن وأبنائهم الشباب أقل بكثير من إيطاليا مثلًا، وهو ما ساعد على عدم انتقال العدوى لكبار السن وجعل 80% من المصابين بالفيروس أقل من 60 عامًا، مما سهل من شفائهم على عكس معظم البلاد الأوربية، كما وضعت ألمانيا كل العائدين من الخارج تحت الفحص وكان أغلبهم من الشباب الذين ثبت إصابتهم وسهل تعافيهم.
الاختبار النهائى للنجاح الألمانى سيتحدد يوم 19 إبريل القادم، حيث تنوى الحكومة الألمانية عودة الحياة لطبيعتها مع وضع قيود فقط على التجمعات الكبيرة، وذلك على ضوء نتائج الفحوصات الطبية التى تنوى أن تشمل نصف عدد السكان (40 مليونًا)