بقلم - عمرو الشوبكي
من المؤكد أن ما جرى فى قرية شبرا البهو بمحافظة الدقهلية من محاولة منع جثمان طبيبة من أن تدفن فى مقابر أسرتها جريمة يجب ألا تمحى من الذاكرة الجماعية للشعب المصرى، ويجب ألا نمر عليها مرور الكرام، لأنها عكست انحطاطًا فى القيم وجهلًا غير مسبوقين، وأن إطلاق اسم الطبيبة الراحلة على إحدى مدارس القرية خطوة صحيحة فى اتجاه تغيير اسم القرية ليحمل اسم الدكتورة سونيا عبدالعظيم.
ورغم التدخل الحاسم لأجهزة الأمن فى مواجهة المحتجين من عديمى المروءة والأخلاق، وتم دفن الطبيبة وألقى القبض على 24 شخصا، إلا أن هذا الحدث لابد أن يفتح جراحًا كثيرة ليس فقط عن التحول الذى أصاب بعض قطاعات من الريف المصرى، إنما أساسا مسؤولية الجميع، نظاما سياسيا، وإعلاما، ومؤسسات أهلية فى توعية الناس وعدم الوصول إلى هذا المشهد.
إن هذا السلوك المشين عكس جهلا كاملا بطبيعة الفيروس الذى ينتشر بسبب التجمعات، وعدم أخذ مسافات بين الأحياء وليس عقب الوفاة، فلم يحدث فى تاريخ البشرية أن خرج فيروس من قبر متوفى، وإن الخطر يكون أثناء تغسيله، وهو ما يتطلب إجراءات خاصة أوضحتها نقابة الأطباء فى كل رسائلها وليس الإعلام بكل أسف.لقد فشلنا جميعا فى توعية الناس، وأولنا الإعلام، ولن تحل نظرية «الشعب الجاهل» المشكلة، لأنه لا توجد شعوب فى تاريخ الإنسانية وُلدت أمية أو يعشعش فى عقولها الخرافة والجهل بسبب جينات موروثة، إنما هى نتاج ظروف سياسية وثقافية وتعليمية تجعل بعضها يتصرف بهذا الشكل المتدنى.
يقينًا، غالبية المصريين ليس لهم علاقة بسلوك هذا القطيع، ولكن من المهم أن تواجه الدولة هذا التسيب بسطوة القانون وردعه، وأن تتوقف فورا كل صور الاستباحة والتجهيل والبلطجة التى وجدت لها مناخا آمنا طالما هى بعيدة عن الكلام فى السياسة أو «بين الشعب وبعضه»، وأن يظهر وجه مطلوب «الآن وليس غدا» لدولة قانون قد يكون الظرف الاستثنائى الذى نعيشه الآن فرصة ليتحول إلى سلوك طبيعى ودائم. نعم، يحتاج المجتمع إلى توعية إعلامية طول الوقت وتوعية مضاعفة فى وقت الأزمات والحروب والكوارث، ويجب ألا يخضع للأهواء أو يسمح فيه بترديد الخرافات والكلام الفارغ فى بلد يعانى من أمية الثلث، ترتاح لأحاديث الخرافة والمؤامرة، ولايزال التليفزيون والراديو هما الأقدر على مواجهتها وتوعية الناس أكثر من غيرها.
مطلوب فى كل القنوات حديث منظم وغير عشوائى عن مخاطر الفيروس وطرق الوقاية، وأيضا عرض لنماذج انتصرت عليه من الناس العادية، وبطولات الأطباء، وغيرها من الصور التى لا تحول الفيروس إلى خرافة مرعبة، إنما مرض يمكن الانتصار عليه بالعلم والجدية.رحم الله الطبيبة وصبّر أهلها على مصابها، وبدعم ومحبة ملايين المصريين سيطوون ذكرى سلوك القلة الجاهلة.