بقلم : عمرو الشوبكي
تواجه مصر تحديين كبيرين، الأول «وجودى» يتعلق بقضية المياه وإصرار إثيوبيا على استكممال بناء سد النهضة، ضاربة عرض الحائط بـ«حق الحياة» فى مصر، والتحدى الثانى «حدودى» يتعلق بتهديد أمنها القومى على يد ميليشيات إرهابية فى ليبيا مدعومة تركيًا.
وقد أثار خطاب الرئيس نقاشا بين قطاعات واسعة من الرأى العام المصرى (لا تظهر معظمها فى الإعلام) بعيدا عن طبول الحرب التى يرددها البعض، وهو يعرف أنه لن يدفع ثمنها.. ودار هذا الجدل بين تيار داعم للخطاب، وآخر طرح السؤال: هل ستعطى مصر الأولوية إلى ليبيا على حساب إثيوبيا؟ وهل اللغة الخشنة التى استخدمت مع حكومة الوفاق ستعنى ترتيبا فى غير محله للأولويات المصرية؟.. لا أعتقد أن الأولوية ستكون فقط لمواجهة تهديدات أردوجان وجماعات التطرف وتجاهل القضية الوجودية الخاصة بسد النهضة.
من الوارد أن يكون التشدد فى ليبيا بغرض التأثير على إثيوبيا، وفق تصور استراتيجى، بشرط ألا تتورط مصر فى حرب شاملة طويلة الأمد مع تركيا، وهو أمر لا نتوقعه بأى حال، وأن يظل سقف التدخل المصرى مدينتى سرت والجفرة اللتين ترغب تركيا فى اقتحامهما للسيطرة على مناطق الهلال النفطى فى شرق ليبيا.
خطاب السيسى لم يكن إعلان حرب على تركيا، ولن يعنى السيطرة على ليبيا، إنما سيعنى محاولة وضع خطوط حمراء جديدة لقواعد لعبة كانت قائمة على دعم أطراف إقليمية ودولية لطرفى الصراع دون التدخل المباشر، وغيّرتها تركيا حين جلبت ميليشيات إرهابية من سوريا إلى ليبيا، وتسعى لإقامة قواعد عسكرية فى ليبيا (ناضلت كل دول شمال إفريقيا من أجل الاستقلال وإنهاء وجود القواعد الأجنبية).. وأخيرا، الحديث بشكل مباشر عن احتلال مناطق النفط والغاز فى الشرق الليبى.
نجاح مصر فى إيقاف التغلغل التركى فى ليبيا دون خسائر كبيرة أو التورط فى حرب شاملة سيعنى رسالة ردع للإثيوبيين، خاصة أن كثيراً من الدول الكبرى تريد تحجيم أردوغان فى ليبيا مثل روسيا وفرنسا، وحتى أمريكا لا ترغب فى تمدد نفوذه، أما إيطاليا التى حاولت تركيا أن تضمها لخطها فهى لن تذهب بعيدا معها على حساب علاقتها بالاتحاد الأوروبى.
هذه الدول بعضها سيدعم أى تدخل عسكرى مصرى فى ليبيا (ودورنا أن يظل محدودا)، وبعضها الآخر لن يعارض، فى حين أن نفس هذه الدول لن ترحب بأى عمل عسكرى مصرى ولو محدود ضد إثيوبيا، ودور مصر أن تجعلها متفهمة لصواب اختياراتها وكفاءتها، سواء بنجاعة تدخلها العسكرى المحدود فى ليبيا أو تحركها الدبلوماسى والسياسى المكثف من أجل دفع إثيوبيا إلى مراجعة موقفها من الإضرار الفادح بمصالح مصر الوجودية فى المياه، وتفهم استخدام القوة الجراحية فى حال فشل كل الحلول السياسية.