بقلم - عمرو الشوبكي
تكرر استهداف جزء من الشعب جزءا آخر بالسب والإهانة والتحريض دون محاسبة حتى أصبحت جرائم مكتملة الأركان.والمؤكد أن أسباب ذلك كثيرة أبرزها يرجع لتراجع دولة القانون أو التطبيق الانتقائى للقانون، مما أعطى انطباعاً لدى البعض أنهم يمكنهم أن يستبيحوا الآخرين ويهينوهم دون حساب.
ولعل انتشار الجملة التى رددتها أحد مدعى الفن الأسبوع الماضى حين قالت: «من يكلمنى على عمالة يومية حديله بالشبشب على بقه» يدل على أن هناك من محدثى النعم والثروة من يحمل جرعة من البؤس واحتقار الناس لا يمكن أن تصدر من فنان حقيقى (رحم الله فاتن حمامة ونادية لطفى ونور الشريف وحفظ الله عادل إمام)، خاصة أن العمالة اليومية تضررت من أزمة كورونا بصورة فادحة لأن الأمر يتعلق بقدرتها على العيش والحياة لا ترف شراء الكماليات أو الذهاب للشواطئ.
فالفن ليس فقط مهنة إبداع وموهبة وحس مرهف، ولكنها مهنة يصنعها الناس بل إن أحد الانتقادات التى كانت توجه لبعض الفنانين هو أنهم كانوا يقدمون أعمالًا لإرضاء ذوق الناس وفق نظرية «الجمهور عايز كده» ولو على حساب المعايير الفنية.
وربما هى المرة الأولى فى تاريخ الفن السابع أن يظهر مدعو فن يسبون الناس أو يهينونهم وكأن معيار وجودهم الفنى لم يعد مستمدا من الناس، وهم هنا وعلى غير العادة تقاطعوا مع بعض الإعلاميين الذين اعتادوا مؤخرا أن يهينوا الناس لأنهم يعرفون أن استمرارهم غير مرتبط برضاهم.
والحقيقة أن مدرسة «احتقار الناس» وإهانتهم لا النقد المشروع لجانب من سلكوياتهم، زادت مؤخرا ورددها بعض المسؤولين وكثير من الإعلاميين ولكن لأول مرة نراها ممن يقولون عن أنفسهم فنانين وهو أمر يحتاج لتأمل ومحاسبة مجتمعية حقيقية.
إن تاريخ الفن والفنانين فى مصر كان دائما قائما على إرضاء الناس أو كسب ودهم وفى أحيان كثيرة «بزيادة»، (جانب منهم عمالة يومية)، ففريد شوقى «ملك الترسو» والزعيم عادل إمام وحتى نادية الجندى وغيرهم عرفوا أن نجوميتهم بفضل الناس وأن حسبتهم الأساسية ظلت الحفاظ على الشعبية الكبيرة العابرة للعصور وبمراعاة النظم المختلفة.
لا يمكن، مثلا، اتهام الفنانين الكبار فى تاريخ مصر بأنهم فنانو سلطة إنما قاموا بمواءمات معها، لأنهم امتلكوا مواهب حقيقية، وظلت عينهم على الجمهور الواسع وحين انتقدوا بعضا أو كثيرا من تصرفاته لم يهينوه أو يرددوا كلاما جارحا من أى نوع.
هوجة هذا الكلام المسىء تحتاج إلى وقفة ليس فقط لأنها غير معتاد خروجها من فنان إنما لكونها عكس السائد فى تاريخ الفن الذى حتى حين كان يصف البعض جانبا منه بأنه فن سلطة اعتبر فى صالح الجماهير، أما إهانة الناس فهى أمر غير مسبوق فى تاريخ أى فن.