من يتحمل مسؤولية الإرهاب

من يتحمل مسؤولية الإرهاب؟

من يتحمل مسؤولية الإرهاب؟

 لبنان اليوم -

من يتحمل مسؤولية الإرهاب

بقلم : عمرو الشوبكي

تلقيت فى 31 مارس الماضى رسالة من الأستاذة فاطمة حافظ تدور حول دوافع الإرهاب، ورغم ردى المتأخر نسبياً على رسالتها إلا أننى قررت أن أختار توقيتا مناسبا لنشر ما كتبت، وأن يكون هذا التوقيت مرتبطا بحدث (مصيبة بكل أسف) تدعم وجهه نظرى فى نقاشى معها.

اعتادت السيدة فاطمة التواصل معى عبر بريدى الإلكترونى، ووصفتها دون أدنى مجاملة بالكاتبة المتخفية باسم قارئة، وهى مهندسة تكتب بلغة عربية مميزة وأسلوب سلس يستحق الثناء.

وجاء فى رسالتها ما يلى:

عزيزى دكتور عمرو:

بدأت مقالك بتساؤل عن مسؤولية النص أم السياق عن الإرهاب، أردفته باستنكار رفع القرآن بالبرلمان البلچيكى واتهامه بأنه مصدر كل الشرور. وأنا أتساءل: هل تستطيع فعلاً البحث بحرية للإجابة عن هذا السؤال؟ هل تستطيع إذا توصلت لمسؤولية النص الدينى عن الإرهاب أن تجهر برأيك؟ الإجابة الأكيدة هى لا! فمن تجرأ على التشكيك فى البخارى يقبع فى السجن الآن فما بالك بمن يتجرأ على النص الأقدس! فنحن نعيش عصر «الدواعش» وإن لم ينضموا فعلياً لداعش.

كتبت أيضاً وتُصِر وتؤكد فى كتاباتك على أن إرهابيى اليوم يختلفون عن إرهابيى الأمس، وذلك من حيث تسلح السابقين بعقيدة قوية (وإن رفضتها بشكل كامل)، مستندة إلى أفكار وكتابات سيد قطب وسيد إمام وغيرهما. أما الآن فممكن لشاب مَلُول أن تدفعه الظروف للانضمام إلى داعش لأن السياق الاجتماعى والسياسى دفعه لذلك. وأنا أختلف معك تماماً، فالسياق المجتمعى العنصرى والفشل الدراسى والمهنى الذى يعانى منه مسلمو أوروبا، تعانى منه أيضاً معظم الأقليات العرقية بأوروبا، ولكننا لم نجد منهم من يطوق نفسه بحزام ناسف أو من يجز منهم رأس المختلفين معه عقائدياً وغير ذلك من ممارسات بشعة.

ولمسلمى أوروبا وأمريكا وضع خاص، فهم يتقوقعون على أنفسهم، ويعانى أغلبهم من التمزق بين هوية أهلهم المحافظة والمنغلقة عادة، وبين المجتمع المنفتح من حولهم، وبدلاً من الاندماج فى المجتمع الذى يعيشون فيه يريدون هم تغيير هذا المجتمع المنفتح والمتحضر ليصبح شبيهاً بمجتمعاتنا المتخلفة التى هربوا هم أنفسهم منها!

أنا لا أتهم النص بأنه مصدر كل الشرور كما اتهمه النائب البلچيكى، فمصادر الشرور كثيرة، وأعتقد أن المشكلة الأساسية هى عدم إرجاع الأحكام وما هو مُتَضَمَّن فى النص إلى سياقه التاريخى والجغرافى. ولا ينفرد نص المسلمين وحده بذلك، ولم يكن هو النص الوحيد الذى تَحوَّل من «رحمة للعالمين» إلى «حرق العالمين»، فالإنجيل الذى نص «أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم»، عاث كثير من أتباعه فى الأرض فساداً وقتلاً ونهباً.

وأتباع بوذا صاحب العقيدة السلمية تحَوَّلوا إلى قَتَلة فى ميانمار... كل الديانات والنصوص الدينية تحولت فى فترة من الفترات مصدراً للشرور وليس هذا مُقْتَصِراً على نص المسلمين.

وكما فعل الأوروبيون من قبل أثناء عصورهم الوسطى، حاول ويحاول البعض من مفكرينا المعاصرين الشجعان أثناء عصورنا الوسطى التى نعيشها الآن فى وضع النص فى سياقه التاريخى والجغرافى.

أتفهم خوف مفكرينا من المصير المنتظر للجهر بأفكارهم التنويرية، فالمحظوظ منهم سينال جزاء إسلام بحيرى، أما سيئ الحظ فسينال جزاء فرج فودة، إنما ليس هناك طريق آخر سوى التنوير ولكل طريق ثمن. أما أن يرائى المثقفون العامة ويتحاشوا التصريح بأفكارهم خوفاً من المتعصبين المتشددين فسنبقى نرتع فى تخلفنا وجهلنا وسينبذنا العالم (أكثر وأكثر). ومن يدَّعِ أن الآخر (أى آخر)، سواء كان هذا الآخر هو الغرب أو الفقر أو قلة الديمقراطية، هو سبب الإرهاب فهو يخدع نفسه والآخرين وهو يعلم.

أتمنى من الدولة (التى هى ليست مدنية خالصة ولا دينية خالصة) أن تُنَقِّى القوانين من الأحكام المَعيبة التى تُلاحق كل صاحب رأى «لازدرائه الدين» أو إنكاره «المعلوم من الدين بالضرورة» أو «المس بالذات الإلهية»... إلخ، التى تتعارض صراحة ونصوص الدستور الذى أقررناه ونتغنى به «ونباهى به العالم»، وإلا ظللنا كما نحن نحارب الإرهاب أمنياً، ونفاجأ بالمزيد من الإرهابيين وبالمزيد من الإرهاب، لأننا لم نغلق الصنبور ولكننا نجفف فقط ما يسقط منه على الأرض.

ما ذكرته الأستاذة فاطمة يؤكد أن النص الدينى (أو غير الدينى) لا يتحول إلى فعل وممارسة بمعزل عن السياق، وأن ما نشاهده الآن من إرهاب أصبح المحرك الأول فيه هو السياق الاجتماعى والسياسى وليس النص الدينى كما كان من قبل حين كان خيار الجهاديين للإرهاب راجعا لتفسيرات دينية منحرفة ونمط من التربية العقائدية شكلت دافعا عقائديا صلبا للإرهاب.

إن جريمة عمر متين الإرهابية فى ولاية أورلاندو الأمريكية، وقبله سيد فاروق فى ولاية كاليفورنيا، وقبلهما صلاح عبدالسلام فى باريس، وغيرهم الكثير، تؤكد ما ذهبنا إليه بأن دافع هؤلاء للإرهاب هو خلل نفسى وإحباط اجتماعى وفشل مهنى، صحيح أنهم وجدوا ضالتهم فى نص دينى ولكنه كان بمثابه المحلل «لخيار عنفى» حُسم قبل أن يقرأوا كلمة واحدة فى الدين. والمؤكد أن أبناء الجاليات الأخرى يمارسون عنفا مختلفا عن إرهاب قلة من المسلمين، مثل السرقة وتجارة المخدرات والمافيا وأحيانا صور مختلفة من الإرهاب، لأنه ليس عندهم نصوص دينية تسمح فى العصر الحالى بتبرير الإرهاب دينيا مثلما يحدث مع قلة من المسلمين.

لا يجب الحكم على هذا الموقف الفكرى والعلمى على أنه نوع من الممالأة للجماهير، لأنه فى النهاية اجتهاد مثل اجتهادها، وأن الواقع يقول لنا كل يوم إن هناك إرهابيين فى أمريكا وأوروبا ليس لهم علاقة بأى نص دينى، حتى وصل الأمر بآخرهم (عمر متين) أن أعلن للشرطة وهو يقتل الأبرياء أنه بايع تنظيم داعش، فهل مازالت الأستاذة فاطمة تصر على أن النصوص الدينية هى التى جعلتهم أساساً إرهابيين؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يتحمل مسؤولية الإرهاب من يتحمل مسؤولية الإرهاب



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon