بقلم : عمرو الشوبكي
انتخب الجزائريون رئيسًا مدنيًا إصلاحيًا، هو عبدالمجيد تبون، من داخل المنظومة القديمة، وهو فى ذاته نصف نجاح على طريق بناء دولة القانون والديمقراطية، صحيح أن الحراك الشعبى أعلن مقاطعته الانتخابات ورفضه الرئيس المنتخب، وأعلن استكمال الضغط الشعبى من أجل تنحية كل رموز النظام القديم، بمَن فيهم الرئيس الجديد، لكن الحقيقة أن خطورة هذه المعادلة أنها تتصور أن النظام الجديد يُخلق فقط عبر احتجاجات الشارع وليس عبر عملية إصلاح وتغيير للمنظومة القديمة، وغالبًا ما يكون الإصلاحيون من داخل النظام/ الدولة أكثر قدرة على تنفيذها، وهو ما جرى فى تونس عقب انتخاب الرئيس الراحل، الباجى قائد السبسى، الذى كان أيضًا إصلاحيًا من داخل النظام القديم.
وهناك كثير من المجتمعات تحسرت على تجارب الفرص الضائعة حين لم تنتخب رؤساء إصلاحيين من داخل النظام، لصالح خطاب ثورى أو إخوانى عطّل من فرص بناء دولة القانون والانتقال الديمقراطى.
إن خطاب الرئيس المنتخب فى الجزائر كان منفتحًا على الجميع، وأكد رفضه الإقصاء والتهميش، ووعد بدمج الشباب والمخالفين له فى الرأى، وهو يُذكِّرك بخطاب عمرو موسى وآخرين فى مصر، عقب ثورة يناير، ويحتاج أن يُطبَّق عمليًا على أرض الواقع.
خطورة استمرار الحراك كمجرد صوت احتجاجى أنه لا يبنى بديلًا سياسيًا وحزبيًا، إنه لا يعكس فقط وجود خلاف بين ثوريين وإصلاحيين، «وهو طبيعى»، إنما يضعف من قوة رئيس مدنى منتخب لصالح الفراغ والفوضى والانقسام المجتمعى، الذى سيملؤه حتمًا الجيش الشعبى الجزائرى، بعد كسر شوكة قوى التطرف الإسلامى.
إن معادلة ملء الفراغات، التى تحدث فى العلوم الطبيعية، بسيطة وغير معقدة، وتنتقل أيضًا إلى العلوم الاجتماعية والسياسية، فالرئيس الجزائرى قادم من خلفية الانتماء إلى مشروع حزب حاكم له تاريخ نضالى ووطنى حقيقى، وهو جبهة التحرير، لكنه بقى فى السلطة لأكثر من نصف القرن، تَحَوّل بعدها إلى حزب سلطة أو إدارة سلطوية، تضم المخلصين والانتهازيين، واعتمدت بشكل أساسى فى حكمها على أجهزة الدولة والأمن.
ومع ذلك، لأول مرة، يُنتخب فى الجزائر رئيس ابتعد عن الحزب الحاكم، وابتعد خطوة عن «الصندوق الأسود» للحكم، «كما يُسمى فى الجزائر»، وهناك دور للإرادة الشعبية فى اختياره، كما أنه واجه حين كان رئيسًا للوزراء رجال أعمال فاسدين تسببوا فى إقالته.
مازال أمام الحراك الشعبى والنخب المستنيرة فى الجزائر، «وهم مازالوا كثرًا»، فرصة حقيقية للتواصل مع الرئيس المنتخب، وأن يكونوا جزءًا نقديًا من مبادرته للإصلاح، لأن التنافس بين رئيس منتخب لديه قاعدة شعبية يعطيه فرصة للتخلى فى الممارسة عن جوانبه السلطوية، ويعنى أيضًا دفع الحراك لبناء بدائل وأحزاب سياسية تطور من أدواتها وتبنى قاعدة شعبية قادرة على أن تقدم مرشحين يمثلونها فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.