بقلم - عمرو الشوبكي
لافتة تجربة العراق فى السنوات الأخيرة، حين أصر الشارع والقوى السياسية على الابتعاد عن أى مرشح حزبى وسياسى لرئاسة الحكومة، حتى تم تكليف مصطفى الكاظمى رئيس المخابرات العراقية لتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن رفضت نفس القوى السياسية اثنين من المرشحين السياسيين القادمين من خارج دولاب الدولة العراقية، وهما عدنان الزرفى ومحمد توفيق علاوى. ورغم العيوب الهيكلية فى بنية الدولة العراقية بسبب إعادة بنائها على أنقاض مؤسسات الدولة الوطنية عقب الغزو الأمريكى للعراق، إلا أن الأمر يبدو لافتًا أن يتوافق تيار واسع من العراقيين بمحض إرادتهم وعقب تجربة 17 عامًا من الممارسات السياسية والحزبية على مرشح «مخابراتى» بعد تعثر تجربتهم السياسية طوال السنوات الماضية.
صحيح أن الكاظمى ليس رجلاً عسكريًا، كما أن اختياره جاء من الكتل السياسية وليس من المتظاهرين، إلا أنه فى النهاية رجل من المؤسسة العسكرية والأمنية وليس الحزبية المدنية، كما أن المتظاهرين رفضوا أيضا أى مرشح حزبى أو مدعوم من الأحزاب والقوى السياسية وراهنوا على شخص «افتراضى» من خارج كل القوى السياسية والحزبية الموجودة، ولم يجدوه، فكان الكاظمى هو البديل.
وقد رفع المحتجون على مدار عام شعار: «كلا كلا للأحزاب»، معلنين رفضهم، ليس فقط للحكومة والنظام السياسى، وهو مفهوم فى ظل أى حراك شعبى ضد أى سلطة، إنما امتد ليشمل قادة الأحزاب السياسية كلها، بل إلى رفض الحزبية والأحزاب والعملية السياسية برمتها. والمؤكد أن هناك أسبابا تخص الخبرة العراقية تفسر هذا الرفض الشعبى للأحزاب، حيث ارتبطت فى ذهن المواطن العادى بالمحاصصة الطائفية والمحسوبية والفساد، حيث بدا الأمر وكأن هناك كعكة مغانم يوزعها كل حزب على أعضائه وأنصاره ويترك غالبية الشعب دون أى اهتمام مادى أو معنوى.
المفارقة أن مظاهرات العراق، بل حتى أحزابها وكتلها السياسية، طالبت بعكس ما يطالب به تيار واسع فى كثير من البلاد العربية، وخاصة مصر، بعودة السياسة والأحزاب السياسية، ويطالب أيضا بتشكيل الحكومة من وزراء سياسيين وحزبيين، ويعتبر أن أساس خلافه مع الحكم فى مصر هو إضعافه للأحزاب والحياة السياسية، فى حين يطالب التيار الاحتجاجى فى العراق بإلغاء الأحزاب وتشكيل الحكومة من وزراء فنيين وتكنوقراط وليس سياسيين، وجاء اختيار رجل من قلب الأجهزة الأمنية وبدعم الأحزاب ليصب فى نفس الروح العامة التى سادت العراق فى السنوات الأخيرة برفض الأحزاب والعملية السياسية.
رسالة العراق تقول إن فى حال فشل الأحزاب والنخب السياسية المدنية، فإن الناس بمحض إرادتهم سيستدعون الجيش أو المؤسسات الأمنية لتخليصها من هذا الفشل.
وسيبقى الحل الحقيقى فى عملية سياسية قادرة على أن تجدد نفسها ولا تسقط فى براثن الفشل، ودولة وطنية تدير مؤسساتها بشكل مهنى ومستقل عن الأحزاب والسياسة.