حديث المصالحة

حديث المصالحة

حديث المصالحة

 لبنان اليوم -

حديث المصالحة

بقلم : عمرو الشوبكي

تكررت نغمة المصالحة مع الإخوان طوال الأسبوع الماضى، واعتدنا أن نستمع من حين لآخر لحديث المصالحة أحيانا بمفردات لا علاقة لها بالسياسة، وأحيانا أخرى بشعارات عامة وفضفاضة تضر أكثر مما تفيد.

وقد كانت البداية مع تصريحات وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب حول قانون العدالة الانتقالية، وقال فيها: «الدستور يريد إنهاء تلك المسألة الخلافية (التصالح مع الإخوان)، وأن نعود نسيجا واحدا، ليس هناك إخوان وغير إخوان، وممكن نتصالح مع الإخوانى إذا لم تُلوث يده بالدم، لأنه مواطن فى النهاية».

ثم عاد رئيس ائتلاف «دعم مصر»، صاحب الأغلبية النيابية، وأكد عدم ممانعة الائتلاف فى المصالحة مع جماعة الإخوان، وفق شروط محددة، أبرزها عدم تلوث أيديهم بالدماء، وأن تكون لديهم نوايا صادقة وليس مناورة، وأن يعترفوا بأخطائهم، ويدينوا العمليات الإرهابية.

والحقيقة أن تصريحات المصالحة جاءت هذه المرة من الحكومة والأغلبية البرلمانية، ولذا فقد أثارت استغراب الكثيرين، وتحدث البعض عن الصفقة المنتظرة بين الحكم والإخوان، فى حين اعتبر البعض الآخر أنه كلام عابر، لأن مَن فى يده القرار فى هذا الموضوع هو الأجهزة الأمنية والسيادية.

والحقيقة أن الصادم هو هذا الحديث عن النوايا الصادقة، لأنه فى السياسة لا يوجد شىء اسمه «نوايا صادقة»، إنما قواعد ودساتير وقوانين تكون هى الفيصل فى قبول أى تيار سياسى من عدمه بعيدا عن نواياه الطيبة أو الشريرة.

والحقيقة أن حديث المصالحة هو حديث عام وفضفاض لأن له أكثر من مستوى، فهناك المصالحة المجتمعية التى لا تتجاوز قبول الناس لأفراد الجماعة الذين لم يرتكبوا جرما ولم يحرضوا أو يمارسوا عنفا، وهذا عمليا حادث قبل حديث المصالحة، فكثير من عناصر الإخوان ممن ابتعدوا عن تنظيم الجماعة موجودون فى نسيج المجتمع المصرى ويمارسون أعمالهم بشكل طبيعى لأنهم أمام القانون غير متهمين بصرف النظر عن نواياهم كما قال رئيس ائتلاف «دعم مصر».

أما المعضلة الحقيقية فهى تتعلق بالأعضاء العاملين فى تنظيم الإخوان المسلمين من أعضاء الأسر والشعب المختلفة ومكتب شورى الجماعة ومَن يدفعون 7% من دخولهم لصالح التنظيم (يقدرون بحوالى 100 ألف عضو عامل قبل ثورة يناير)، وهؤلاء مشكلتهم أكبر بكثير من حديث المصالحة لأنها تتعلق بالبناء التنظيمى الذى ينتمون له، والذى زاد تطرفا وعنفا وشماتة فى مصائب المصريين فى السنوات الأخيرة.

والحقيقة أن معضلة أى نظام سياسى مع الإخوان تكمن أساسا فى التعامل مع صيغة جماعة دينية فوق الدولة والقانون، مثلما حدث عقب ثورة يناير، حين رفضت جماعة الإخوان تقنين أوضاعها كجماعة دينية شرعية منفصلة عن الحزب السياسى، واستمرت كجماعة سرية فوق الدولة والقانون حتى سقوط حكمها.

ومنذ 30 يونيو حتى الآن لم يناقش الكثيرون قدرة النظام السياسى على قبول «أفراد الإخوان» فى العملية السياسية بشروط جديدة تختلف تماما عن تلك التى أوصلت الإخوان للحكم كجماعة دينية سرية، وتقوم على الفصل التام بين الجماعة الدينية والحزب السياسى، والالتزام بقواعد الدولة الوطنية والدستور المدنى والنظام الجمهورى، بما يعنى أن منتج هذه العملية لن يكون هو فكر وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذى عرفته مصر منذ نشأتها، إنما هو فكر ومشروع جديد لا علاقة له بمشروع الجماعة الفاشل.

ولذا فإن سؤال المصالحة لا يجيب عن هذا التحدى، إنما هو يبدو وكأنه أقرب للصفقة السياسية، بمعنى أن يبقى الإخوان كما هم ويبقى النظام كما هو ويتصالحوا «مع بعضينا»، فى حين أن المطلوب أن يتغير الإخوان، ولكى يتغيروا لابد أن يتغير أداء النظام ويمتلك صفتين: الأولى القدرة على وضع قواعد جديدة تنهى صيغة الجماعة الدينية القديمة، والثانية هى قدرته على التنافس السياسى (وليس الأمنى) مع القوى المعارضة بمختلف اتجاهاتها.

نعم فى مصر تصالحت النظم السياسية مع قوى سياسية مختلفة، بل تصالحت حتى مع تاريخها الملكى ومع حتى مَن كان سيصبح ملكها فى حال استمر النظام الملكى، ولكن قضيتها مع الإخوان ليست قضية مصالحة، إنما قضية صيغة وبنية للجماعة لا تركب مع أى نظام مدنى حديث، وثبت فشلها ومسؤوليتها عن إجهاض فرص هذا البلد للانتقال الديمقراطى، ولم نسمع مرة إخوانيا واحدا أقر بأن الإخوان أخطأوا فى شىء مثلما يفعل المنتمون لأى تيار سياسى آخر.

القضية الأساسية ليست فى حديث المصالحة ولا فى اعتذار الإخوان من عدمه ولا فى نواياهم الصادقة أو غير الصادقة ولا أيضا فى الهتافات «الحنجورية» بموت الإخوان، إنما القضية الحقيقية والتحدى الكبير يكمن فى قدرة النظام والمجتمع على تفكيك صيغة الجماعة الدينية القديمة ذات الذراع السياسية وإنهائها.

إن القبول المشروط للجماعة أو «الدمج الآمن»، كما سبق أن سميته، قد يأتى فى يوم من الأيام، وعلى الكثيرين ألا يربطوه بحديث المصالحة لأنه سيكون وفق شروط وقواعد يجب أن تنتج نموذجا آخر غير الإخوانى الذى رأيناه عقب ثورة 25 يناير، وتفرض على كل التيارات السياسية، إسلامية وغير إسلامية، الإيمان بالدولة الوطنية والدستور المدنى مثلما جرى فى المغرب وتونس، فنجحت تجربة «الإسلاميين»، ولم يحدث فى مصر والسودان ففشلت التجربة.

لا يجب أن نتحدث عن المصالحة، إنما حدثونا عن المستقبل، وعن الدولة الوطنية والدستور والقانون القادر على تحويل صيغة الإخوان القديمة إلى صيغة تيار محافظ دينياً، ممثل فقط فى حزب سياسى، وليس جماعة دينية أو جماعة وحزبا، فهل نحن قادرون على ذلك أم لا؟ هذا هو السؤال، وهذا هو التحدى وليس المصالحة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث المصالحة حديث المصالحة



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon