بقلم: عمرو الشوبكي
خسر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أغلبيته البرلمانية، وحصل تحالفه الانتخابى وحزبه «النهضة» على 245 مقعدًا من مقاعد البرلمان الفرنسى التي يبلغ عددها 577 مقعدًا.وجاء حزب الاتحاد البيئى والاجتماعى الشعبى الجديد (NUPES)، وهو تحالف لأحزاب يسارية يقوده «جان لوك ميلنشون» في المركز الثانى، وحصل على 131 مقعدًا.
وجاء في المرتبة الثالثة حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف بزعامة «مارين لوبان» وحصل على 89 مقعدًا، ثم جاء في المرتبة الرابعة الحزب الذي كان شريك الحكم الرئيسى في فرنسا منذ تأسيس الجنرال شارل ديجول الجمهورية الخامسة عام 1958 وتغير اسمه من «الاتحاد من أجل الجمهورية» إلى «الجمهوريين»، وحصل على 64 مقعدا فقط، وأخيرًا حصلت أحزاب وشخصيات مستقلة من اليسار واليمين على 48 مقعدًا.
وبدا لافتًا هذا الارتفاع الكبير في نسبة المقاطعة، إذ بلغت حوالى 54% من أصوات الناخبين، وهى تقريبًا ضعف نسبة المقاطعين في انتخابات الرئاسة، كما يلاحظ ارتفاعها مقارنة بانتخابات 2002 التي بلغت 39%. وفى 2007 ارتفعت مرة أخرى نسب المقاطعة لتصل إلى 40%، ثم ارتفعت مرة جديدة في 2012 حتى وصلت إلى 44%.
ومازالت النسبة الأكبر من المقاطعين من الشباب (من 18 إلى 30)، وهو ما جعل صحيفة «الليموند» الفرنسية تعتبر «المقاطعة مشكلة بنيوية» يعانى منها النظام السياسى الفرنسى والعملية الانتخابية.
والحقيقة أن هذا التراجع الذي أصاب «الأغلبية الرئاسية» حمّله كثيرون للرئيس الفرنسى، فقد اعتبروا أن مشروعه الذي قام على تجاوز ثنائية اليمين واليسار قد فشل، وعاد اليسار واليمين بصورة أكثر تطرفًا على حساب اليمين التقليدى، أي أنه لم يتجاوز اليمين واليسار إنما أضعفهما وفتتَ صورتيهما المعتدلتين لصالح التطرف.
والحقيقة لا يمكن التسليم بهذا الرأى على وجاهته وأهمية التفكير فيه، لأنه ببساطة كانت هناك حاجة فرنسية في لحظةٍ ما لتجديد النخبة القائمة وتجاوز ثنائية اليمين الديجولى واليسار الاشتراكى التي هيمنت على الحياة السياسية لنصف قرن، وإن ماكرون كان عاملا في تسريع هذا التجاوز الذي كان يمثل حاجة مجتمعية وسياسية واضحة.
ستبقى مسؤولية ماكرون في تركيزه على استقطاب عناصر من اليمين واليسار لحزبه «فرنسا إلى الأمام» حتى أضعفهما.. صحيح أنه بنى حزبه بطريقة غير تقليدية وعبر تواصل مباشر مع الناس في القرى والمناطق المختلفة، إلا أن خطابه بدا فوقيًا ومتعاليًا على الجميع، وجعله في النهاية يقع في مواجهة قوى أكثر تشددًا ورفضًا لسياساته من تلك التي واجهها في بداية هذا العقد، وأدى في النهاية إلى وجود برلمان منقسم لا يشكل فيه حزب أو تيار أغلبية مطلقة.
سيجتمع الرئيس الفرنسى يومى الثلاثاء والأربعاء بقادة الأحزاب الثلاثة الكبرى الممثلة في البرلمان الفرنسى، رغم هجومها الشديد عليه، وسيحاول الوصول إلى تفاهم بخصوص شكل الحكومة الجديدة وإدارة المرحلة الصعبة القادمة.