الزلزال البريطانى 12

الزلزال البريطانى (1-2)

الزلزال البريطانى (1-2)

 لبنان اليوم -

الزلزال البريطانى 12

بقلم : عمرو الشوبكي

صوَّت 52% من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى، بعد أن وعد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون المؤيدين للانفصال عن الاتحاد الأوروبى من أعضاء حزبه بأنه سيُجرى استفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد عقب الانتخابات حتى يضمن تأييدهم له، وبعد نجاحه دخل مقامرة الاستفتاء وهو لا يتوقع خسارتها.

وقد مثل هذا الخروج ضربة قوية للاتحاد الأوروبى، فبريطانيا هى أكبر قوة عسكرية أوروبية، وثانى قوة اقتصادية بعد ألمانيا، بما يعنى أن مَن خرج ليس دولة هامشية، إنما ركن أساسى من أركان ما يُعرف بـ«مثلث القوة» الأوروبية، الذى يضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

والحقيقة أن النموذج البريطانى نموذج خاص ومميز داخل أوروبا والعالم، وربما تكون هذه الخصوصية أحد الأسباب الرئيسية التى دفعته إلى الخروج من الاتحاد الأوروبى، وتمثلت فى الاتساع النسبى لشريحة المستغنين عن أوروبا، والمكتفين بـ«الذات الملكية» البريطانية، وهى حالة شبيهة بالمستغنين عن العالم كله فى أمريكا، وهو ما سهَّل من التصويت بالخروج.

ويمكن اعتبار الثقافة البريطانية إجمالاً ثقافة محافظة بطيئة التغيير ليس فى تاريخها ثورات أحدثت قطيعة مع النظام القائم، إنما هى ثورات من أجل إصلاح النظام القائم، وبالتالى تطورت نحو الملكية الدستورية، وليس النظام الجمهورى على الطريقة الفرنسية.

وبريطانيا دولة أوروبية «أمريكية الهوى»، تدفعها ثقافتها الأنجلوسكسونية إلى التحالف الدائم مع أمريكا، وتتسم سياستها الخارجية بالعملية الشديدة والهدوء الذى يصل أحيانا لدرجة البرود، ولذا لم تهضم تماما الفكرة الديجولية (نسبة للزعيم الفرنسى الراحل الجنرال شارل ديجول) بوحدة أوروبا السياسية، فقد ظلت بريطانيا حليفا سياسيا لأمريكا واقتصاديا لأوروبا، وحتى أثناء عضويتها فى السوق الاقتصادية الأوروبية حافظت على خصوصيتها، ورفضت أن تعتمد اليورو عملة لها، وتمسكت بالإسترلينى، وهو ما جعل عملية خروجها من الاتحاد أقل وطأة من أى بلد أوروبى آخر.

والحقيقة أن السبب الرئيسى وراء الخروج البريطانى لم يكن زيادة معدلات الهجرة العربية أو الإسلامية، فنظام تأشيرات الدخول المتبع لا علاقة له بنظام شينجن المتبع فى عدد من بلدان الاتحاد الأوروبى، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، كما أنها شيدت نموذجا داخليا هو الأكثر تسامحا مع المهاجرين الأجانب فى أوروبا، وربما العالم كله.

إن تقاليد بريطانيا العريقة جعلتها البلد الوحيد فى العالم الذى يتسامح بهذا الشكل اللافت مع الأقليات العرقية والدينية ومع أيضا- (وهذا هو الأهم)- حريتها فى التعبير عن تمايزها الثقافى والدينى (الجلباب والحجاب وأحيانا النقاب للمسلمين، وغطاء الرأس الخاص بالهندوس)، وهى البلد الوحيد الذى تسمح فيه للشرطة بارتداء عناصرها لغطاء رأس إسلامى أو آخر هندوسى، بشرط وضع الشارة الملكية.

وفى لندن ستجد فى المؤسسات البريطانية العامة والخاصة مسلمات محجبات يبعن لك سلعة أو يقدمن لك خدمة دون أى مشكلة، وهى مشاهد مستحيل أن تجدها فى بلدان أوروبية أخرى، خاصة فرنسا، على اعتبار أن مؤسسات الدولة العامة بما فيها المدارس الحكومية يجب أن تبقى علمانية، ويُحظر فيها على الفتيات ارتداء الحجاب.

والحقيقة أن التنوع الثقافى فى لندن والمدن البريطانية الكبرى (صوَّتت جميعها لصالح البقاء فى الاتحاد، ولندن صوَّتت بنسبة 61% مع البقاء داخل الاتحاد الأوروبى، وهو رقم له دلالة) حالة فريدة فى أوروبا كلها، ومع ذلك يظل قرار الخروج من الاتحاد الأوروبى قراراً انعزالياً يرجع إلى جملة من الأسباب لا تتعلق أساساً بالمهاجرين الأجانب، وليست امتداداً لكراهية ترامب فى أمريكا للإسلام والمسلمين، إنما هو اختيار صنعته أسباب كثيرة سنلقى عليها الضوء غداً، إن شاء الله.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الزلزال البريطانى 12 الزلزال البريطانى 12



GMT 07:40 2024 الخميس ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الموقف الإيراني

GMT 21:20 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

حديث المصالحة مع «الإخوان»

GMT 20:02 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

التطرف الإسرائيلي

GMT 19:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

القضاء على حماس

GMT 08:45 2022 الإثنين ,25 تموز / يوليو

٧٠ عامًا على «يوليو»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon