داعش الأوروبية «22»

داعش الأوروبية «2-2»

داعش الأوروبية «2-2»

 لبنان اليوم -

داعش الأوروبية «22»

عمرو الشوبكي

جمعتنى ندوة فى بيروت، الأسبوع الماضى، حول الشباب و«داعش»، قدم فيها شاب تونسى، هو محمد الخلفاوى- لم يُنْهِ أطروحة الدكتوراه بعد- دراسة مهمة حملت عنوان: «لماذا ينضم شباب الجيل الثانى فى أوروبا لجماعات العنف الراديكالية؟»، وأكد فيها ما سبق أن أشرت إليه من قبل عن أن هناك «أسلمة للتطرف»، وأن الأخير منبعه الواقع الاجتماعى المعيش أولاً، ثم يلجأ بعد ذلك العنصر الداعشى إلى النص الدينى لتبرير تطرفه وليس العكس.

وقد كتب الباحث ورقته، عقب بحث ميدانى استمر سنوات حول دواعش أوروبا، وصل فيها إلى نتيجة تقول: المسارات الاجتماعية لكل الشباب الذين قاموا بأعمال إرهابية فى فرنسا تتشابه، فهم:

- مواطنون فرنسيون من أبناء المهاجرين.

- من ساكنى الضواحى الباريسية.

- لم ينجح أغلبهم فى الانخراط فى المسارات الاقتصادية والإنتاجية الكلاسيكية داخل المجتمع الفرنسى.

- انقطاع أغلبهم عن التعليم مبكراً أو عدم تمكنهم من الالتحاق بالتعليم العالى.

- تتراوح أعمارهم بين الثالثة والعشرين والواحدة والثلاثين عاماً.

- معروفون لدى السلطات الأمنية قبل سنة 2012 لارتكابهم عدداً من جرائم الحق العام، كاستهلاك المخدرات والسرقة والمشاركة فى أعمال إجرامية ذات مدى محدود.

- تحوّلت مراقبتهم الأمنية فيما بعد إلى خانة الاشتباه فى اعتناقهم فكرا راديكاليا متطرفا.

هم إذن يشتركون مع عدد كبير من نظرائهم من أبناء المهاجرين فى وضعية هشاشة اجتماعية تميز عموم الجيل الثانى من مسلمى فرنسا. هذه الهشاشة تميزها ثلاثة مستويات من القطيعة مع النظم القائمة: الأول اقتصادى، حيث عانى معظم أبناء المهاجرين من صعوبة الاندماج فى النظم الاقتصادية الأوروبية عامة والفرنسية خاصة، لأسباب تتفاوت فى أهميتها، ولعل أبرزها الفشل الدراسى المبكر، الذى يدفع الشباب المنقطعين عن المسارات التعليمية من أفق الانخراط فى سوق الشغل الرسمية إلى ضرورة البحث عن موارد الرزق فى القطاعات الموازية نتيجة تأهيلهم المتدنى. والبقاء داخل جيتو منعزل عن عموم المجتمع.

والثانى هو قطيعة ثقافية مركبة، أى قطيعة مع الثقافة الغربية، وأيضاً قطيعة مع ثقافة البلدان الأصلية التى يحملها الجيل الأول، جيل الآباء.

أما القطيعة مع الثقافة الغربية، فتتم تحت عنوان: «رفض الآخر الغربى ورفض عنصريته واستعلائه»، أما مع جيل الآباء فهى قطيعة مع الإسلام المحافظ والتقليدى وما يسمونه «الخنوع للغرب من أجل لقمة العيش».

وهناك ثالثاً القطيعة السياسية، التى تقوم على لفظ للمسارات السياسية التقليدية، التى تضمن إدماج كل العناصر المجتمعية داخل المنظومة التمثيلية (برلمان ومحليات).

ولعل مشكلة دواعش أوروبا- وهم بالآلاف- أن كل الأطر الشرعية، بما فيها الأحزاب اليسارية، التى جذبت كثيراً من الأجانب والمهمشين فى سبعينيات القرن الماضى، فشلت فى دمج هؤلاء الشباب والحيلولة دون دخولهم تنظيم داعش.

وبدا واضحاً أن دواعش أوروبا نتاج فشل اجتماعى وسياسى وثقافى أكثر منه تطرفاً دينياً أو إسلامياً (يظهر لاحقا بعد أن تفعل العوامل الاجتماعية والسياسية فعلتها).

وقد اختتم الباحث دراسته المهمة بتوقع أن يشكل «داعش» المشهد السياسى والثقافى والجيوستراتيجى العالمى لعقود آتية. و«إذا أنتجت الحداثة الفكر الفاشى والنازى فى القرن الماضى، فإن ما بعد الحداثة قد أنتج هذا الابن الطبيعى القادر على استغلال واستعمال أفضل الإنتاج التقنى للحضارة لكى يواجهها».

واعتبر أن الحركات السياسية التقليدية فشلت فى مواجهة «الإرهاب الذى يقتل مبتسما»، لذلك فهى لن تكون قادرة على مواجهته واجتثاثه، خاصة أنها تبقى أسيرة أساليبها التقليدية، إنما تحتاج- وفق وصفه- إلى جماعات مدنية ثورية وحركات راديكالية أخرى تخاطب نفس جمهور الإرهاب بمضامين أخرى قد تكون قادرة على اجتثاثه الفكرى والسياسى.

ملحوظة أخيرة: ورقة الشاب التونسى قُدِّمت بالتشكيل العربى الصحيح، وهو أمر لم أَرَه منذ عقود.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش الأوروبية «22» داعش الأوروبية «22»



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon