استهلاك حتى الموت

استهلاك حتى الموت!

استهلاك حتى الموت!

 لبنان اليوم -

استهلاك حتى الموت

د. وحيد عبدالمجيد

لم يُصب القادرون من المصريين بمرض الاستهلاك الشره، ولم يصبح مجتمعهم استهلاكياً بشكل سفيه، قبل سبعينيات القرن الماضى. ظل المجتمع المصرى معتدلاً من حيث السلوك الاستهلاكى السائد فيه، ومنسجماً بدرجة معقولة مع طابعه حتى ذلك الوقت حين كان مجتمعاً منتجاً بشكل أو بآخر.

كان هذا هو حاله حين اعتمد على الزراعة كنشاط اقتصادى رئيسى فيه، وبقى كذلك بعد أن توسع نطاق الصناعة فى ستينيات القرن الماضى. لم يعرف أكثر المصريين ثراء، سواء كبار الملاك الذين وُصموا بأنهم “إقطاعيون”، أو كبار التجار والصُناَّع، أو البيروقراطية العليا التى صارت ضمن الشرائح الاجتماعية المتميزة فى الستينيات، الاستهلاك الفاحش والبذخ الجنونى اللذين أخذا فى الانتشار منذ منتصف السبعينيات. فقد تزامن التحول نحو ما عُرف بأنه “انفتاح” فتح الباب أمام تشوهات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية لم تتوقف حتى اليوم، مع “الهجرة إلى النفط” حيث نقل المصريون الذين ذهبوا للعمل فى البلاد التى تدفق البترول فيها بعض أنماط الاستهلاك التى لم يعرفوها من قبل. فالمجتمعات الريعية هى الأكثر ميلاً إلى الاستهلاك بلا حساب. ولذلك لم يظهر مفهوم “المجتمع الاستهلاكى” إلا فى أربعينيات القرن الماضى، بخلاف الاعتقاد الشائع فى أنه مرتبط بالرأسمالية منذ ميلادها. وارتبط ظهور هذا المفهوم باكتشاف النفط على نطاق واسع فى الولايات المتحدة، وفى عدد متزايد من البلاد الأخرى بعضها عربية.ففى تلك المرحلة، بدأ عصر ما يُسمى “الأموال السهلة” التى اقترنت بوجود أوقات فراغ طويلة.

ويُستدل على ذلك – مثلاً – من المقارنة بين أنماط الحياة فى تكساس ونيومكسيكو عقب ظهور النفط فيهما بكميات كبيرة، وولايات أخرى. ورغم أن حالة المجتمع الاستهلاكى انتشرت فى أمريكا كلها ظل هناك تفاوت فى معدلاتها، حيث بقيت المناطق الصناعية والزراعية التى لا تتراكم الأموال فيها بسهولة أكثر مناعة نسبيا أمام زحف هذه الحالة.وقل مثل ذلك عن اختلاف معدلات إصابة المجتمعات المختلفة بداء الاستهلاك ودرجات سفاهته، رغم أن هذا الداء غزا العالم كله وأصبحت الدعاية المحترفة قادرة على دفع الناس لشراء سلع وخدمات لم يشعروا بأى حاجة لها من قبل، وتغيير طابع الحياة كلها والقطيعة مع أنماط معيشة كانت لها فضائلها فى علاقاتها بإنسانية الإنسان. وقد أصبح هذا الاستهلاك الفاحش أحد أهم عوائق إعادة بناء اقتصادنا الكسيح المشوه .. إنها حالة الاستهلاك حتى الموت.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استهلاك حتى الموت استهلاك حتى الموت



GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

GMT 13:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

نقطة ومن أول السطر.. انتهى مهرجان 45 وبدأ 46!

GMT 13:54 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

ألف سؤال.. وسؤال

GMT 13:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كنز في أسيوط!

GMT 13:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الزلزال الأمريكى

GMT 13:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

منال عوض ميخائيل!

GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon