د. وحيد عبدالمجيد
كلما حدثت عملية إرهابية، أُثير سؤال متكرر عن تقصير حال دون استباقها، أو "ثغرة أمنية" نفذ منها الإرهابيون وضربوا ضربتهم. ويرتبط الانشغال بهذا السؤال بالاعتماد على أداة واحدة فى مواجهة خطر تتعدد مصادره، ويصعب التصدى له بدون أدوات متعددة.
ولا يعنى ذلك تقليل أهمية دور الأداة الأمنية، بل وضعها فى مكانها الصحيح وحجمها الحقيقى المرتبطين بطبيعة وظيفتها وحدودها التى لا تستطيع أن تتجاوزها. فالعمل الأمنى الذى يهدف إلى منع حدوث الجريمة، أو ملاحقة المجرمين بعد ارتكابها، يقوم على جمع معلومات عن التشكيلات الإجرامية فور ظهورها، أى أنه يبدأ مع وجود العصابات والمجموعات التى يستهدفها.
ولكن الجريمة الإرهابية تختلف عن العادية فى أنها تبدأ مبكراً عبر تحول يحدث لأشخاص (شباب أساساً) متطرفين أو راغبين فى الانتقام فيمارسون الإرهاب. وهذا تحول يصعب تبينه حال حدوثه فى معظم الأحيان لعدم وجود شواهد تدل عليه.
وقد ثبت فى الشهور الأخيرة أكثر من أى وقت مضى أن الكثير من منفذى العمليات الإرهابية شبان ليس لهم سابق عهد بهذا المجال، وغير معروفين لأجهزة الأمن، ويصعب بالتالى كشف تحولهم نحوه وانخراطهم فيه قبل أن يمارسوا العنف بالفعل.
كما أن التشكيل العصابى العادى ينتهى عادة عقب توجيه أية ضربة أمنية كبيرة ضده، بخلاف التنظيم الإرهابى المصمم بطريقة تضمن له الاستمرار وتعويض خسائره البشرية مادامت البيئة المجتمعية منتجة للتطرف والتعصب.
ولذلك تقل فاعلية الاعتماد على العمل الأمنى وحده فى مواجهة الإرهاب فى الفترات التى تكون البيئة المجتمعية فيها أكثر إنتاجاً للتطرف. وفى هذه الحالة تصبح الثغرة التى ينبغى البحث عنها منهجبة أكثر منها أمنية, لأنها تكمن فى ضعف الاهتمام بأثر البيئة المجتمعية فى زيادة القابلية للتطرف، والاستهانة بأهمية تطويرها وتحديثها.
وعندئذ يصبح من الضرورى إصلاح البيئة المجتمعية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليميا لزيادة فاعلية عملية مواجهة الإرهاب، ويصير تطوير العمل الأمنى وسد الثغرات فى حلقة أو أخرى منه أكثر جدوى مما لو انشغلنا به دون غيره.