بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تختلف التقديرات فى تقييم أداء الاقتصاد الأمريكى, وتحديد مغزى المؤشرات الإيجابية فى العامين الأخيرين، كما فى تفسيرها. والإجابات متباينة عن سؤال أساسى مثار عما إذا كانت سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب حققت نجاحاً حقيقياً أم زائفاً. ويبدو هذا الاختلاف مفهوماً، وربما يكون طبيعياً، فى ضوء تعقيدات المشهد الاقتصادى الأمريكى منذ الأزمة التى ضربته، وامتدت إلى دول كثيرة فى العالم عام 2008. وربما لن يتيسر جواب موضوعى عن السؤال بشأن تأثير سياسة ترامب، بمعزل عن الانحيازات السياسية والفكرية، قبل نهاية فترته الأولى. فقد تبنى ترامب خطين رئيسيين فى سياسته الاقتصادية، وهما إعادة تصنيع الولايات المتحدة، واستقلال الاقتصاد الأمريكى. فأما إعادة التصنيع فهى ليست سياسة جديدة، لأنها مطروحة منذ أزمة 2008، إلا فيما يتعلق بممارسة ضغوط على الشركات الأمريكية الكبرى التى نقلت معظم مصانعها إلى الخارج، لكى تعيد هذه المصانع إلى الولايات المتحدة، وتمتنع عن نقل المزيد منها. ونجح ترامب بالفعل فى إلزام بعض الشركات، مثل فورد وكاريير، بإلغاء خطط لنقل بعض نشاطاتها إلى دول أخرى. وأما وعد الاستقلال، الذى عبر عنه فى خطب عدة خلال حملته الانتخابية، وخاصة الخطاب المعنون «استقلال الاقتصاد الأمريكى» الذى ألقاه فى بيتسبورج (بنسلفانيا) فى آخر يونيو 2016، فهو ملتبس أشد الالتباس حين يصبح هدفاً فى عصرنا, لأن السعى إلى تحقيقه بمعناه القديم القائم على فكرة الاعتماد على الذات، وصيغة التنمية المستقلة، يبدو مستحيلاً فى هذا الزمن. ولا يسمح المجال بأكثر من مثال واحد للدلالة على هذه الاستحالة. خذ مثلاً شركة بوينج التى يبدو معظم إنتاجها أمريكياً فى مصانعها فى سياتل وألاباما. لكن الطائرات التى تنتجها تعتمد على مكونات مصنوعة فى أكثر من 50 دولة أخرى حول العالم. ويستحيل أن تبقى أسعار طائراتها على ما هى عليه إذا أنتجت هذه المكونات داخل الولايات المتحدة، بافتراض أن هذا ممكن عملياً فى الأصل. ولذلك يتعين على من يرفع شعاراً من نوع الاستقلال الاقتصادى أن يحدد المقصود به فى هذا العصر، أو يعيد تعريف مفهومه القديم الذى بات خارج نطاق الخدمة.