الانفجار الثوري

الانفجار الثوري

الانفجار الثوري

 لبنان اليوم -

الانفجار الثوري

د. وحيد عبدالمجيد

مثل كل الثورات الشعبية فى العصر الحديث، لم يتوقع أحد الثورة التونسية التى حلت الذكرى الرابعة لاندلاعها الأسبوع الماضى. وحتى بعد أن توسعت التظاهرات التى بدأت فى سيدى بوزيد احتجاجاً على قمع الشاب محمد بوعزيزى الذى أحرق نفسه، لم يدرك التوانسة أنهم فى ثورة إلا بعد أكثر من أسبوعين، ولم يتأكدوا من ذلك إلا عندما خرج عليهم زين العابدين بن على قائلاً بعد فوات الأوان: (فهمتكم .. فهمتكم).

وليس هذا جديداً ولا هو غريب. فالثورة فى التاريخ تأتى بلا موعد، وتندلع حين لا ينتظرها أحد. ويرى بعض دارسى تاريخ الثورات أن هذا جزء من عبقرية التاريخ، ولكن القدر المتيقن هو أن هذا جزء من عفوية الثورة الحقيقية وتلقائيتها. فإذا توقع أحد ثورة، لابد أن تكون شيئاً آخر غير ذلك الانفجار الشعبى الذى يحدث نتيجة تراكمات طويلة، فتندلع الثورة فى لحظة يبدو الوضع فيها كما لو أن المجتمع تعود على حالة استسلام طويل لهيمنة سلطوية طاغية. ورغم أن هذا المجتمع يغلى فى أعماقه، لا يظهر ما يدل على ذلك لأن سطح هذا المجتمع يظل ساكناً فى الظاهر بفعل القبضة الأمنية الباطشة.

ولذلك يكون من الصعب ملاحظة اختمار الثورات على الطريقة البركانية فى طبقات عميقة اجتماعية وسياسية من وجدان وعقول قطاعات واسعة من هذا الشعب أو ذاك. فالاحتجاجات التى تسبق الانفجار الثورى، وتُحدث التراكم التدريجى الذى ينهل من خزَّان المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا تتضمن بطابعها ما يشير إلى مدى زمنى معين يمكن أن يبلغ فيه هذا التراكم ذروته. ولا يعرف الناس أنه بلغ هذا المبلغ إلا عندما يحدث ويجدون أنفسهم فى قلب الثورة. وعندئذ فقط يتأكدون أن نضالات وتضحيات كل من شاركوا فى الاحتجاجات التى قادت إلى الثورة لم تذهب هدراً.

وهذا هو ما حدث فى تونس، كما فى مصر وغيرهما من البلاد سواء فى هذا الجيل من الثورات الشعبية أو فى الأجيال السابقة منذ الثورة الفرنسية عام 1789. ففى تلك الثورة، التى تُعد أم الثورات الحديثة، ظل لويس السادس عشر معتقداً أن الانفجار الذى بدأ هو مجرد عصيان وكان الدوق ليانكور هو الذى أدرك الحقيقة فرد عليه: (لا يا مولاى: إنها ثورة).

وحتى الثورات التى تُخطط لها قوى وأحزاب قوية تملك تنظيمات حديدية مثل الثورة الروسية البلشفية، يصعب توقع موعد نشوبها مثل الثورة البلشفية التى استبعد مخططها فلاديمر لينين نشوبها فى حياته, وقال قبلها بعدة شهور إن جيله قد لا يكون هنا ليشهد معاركها الحاسمة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانفجار الثوري الانفجار الثوري



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon