«الترمبوتينية» صامدة ومستمرة

«الترمبوتينية» صامدة ومستمرة

«الترمبوتينية» صامدة ومستمرة

 لبنان اليوم -

«الترمبوتينية» صامدة ومستمرة

بقلم : مصطفى فحص

أخيراً وليس آخراً، تمكن الكونغرس الأميركي من تسديد ضربته الاستراتيجية الموجعة، لكنها غير قاضية لمشاريع التقارب التي يتبعها البيت الأبيض مع الكرملين منذ وصول دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. خطوة الكونغرس الأخيرة تمثل سابقة تاريخية في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تمكن المشرعون الأميركيون من تمرير بند تشريعي ضمن قانون العقوبات يفرض على الرئيس الأميركي العودة إلى الكونغرس في حال أراد رفع العقوبات عن روسيا أو تخفيضها، والذي على الأرجح لن يستجيب لطلب الرئيس إلا إذا قامت موسكو بتغيير سلوكها في أوكرانيا وفي مناطق أخرى من العالم. إجماع مجلس الشيوخ ومجلس النواب على قرار العقوبات ضد روسيا يمكن وصفه بانتفاضة تشريعية داخل إحدى أهم مؤسسات صنع القرار الأميركية، ليس فقط بوجه سياسات الكرملين الخارجية، بل بوجه إدارة البيت الأبيض وسياسات ترمب المرنة تجاه موسكو، وهي محاولة جدية لدفع الرئيس ترمب للتراجع عن رغبته في تمتين علاقة بلاده بروسيا

وقد عبر سيد البيت الأبيض عن موقفه الغاضب مما فرضه عليه الكونغرس، الذي ضيّق أمامه خيارات المراوغة، وأجبره على التوقيع على عقوبات لم يكن يرغب في تمريرها، ووصفها بأنها «مليئة بالعيوب»، قائلاً إن بعض أحكامها غير دستورية. ترمب الغاضب من تسلط الدولة العميقة على قراراته، حمّل أعضاء الكونغرس مسؤولية المستوى المنخفض والخطير الذي وصلت إليه العلاقات مع روسيا والذي لم تصله من قبل. واللافت في صراع الكونغرس والبيت الأبيض تناغم الموقف بين البيت الأبيض والكرملين، حيث أثنى الأخير على موقف ترمب من مبدأ العقوبات، مؤكداً أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى خطير غير مسبوق. وفي هذا الصدد كان البارز تعليق المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين، ديمتري بيسكوف، على تغريدات الرئيس ترمب السلبية تجاه العقوبات، حيث قال: «نشاطره هذا الرأي تماماً».

وعليه، كشفت تصريحات الإدارتين الروسية والأميركية بعد توقيع العقوبات عن رغبة مشتركة في تجاوز هذه الانتكاسة، والمضي قدماً في تنفيذ ما تم التوافق عليه مسبقاً في ملفات دولية حساسة عدة، خصوصاً في سوريا؛ وذلك تطبيقاً لرؤية الرئيس ترمب في ضرورة توطيد الشراكة مع موسكو، والتي جاءت عبر الرسائل التطمينية التي أطلقها ترمب ووزير خارجيته، والتي أكدا فيها استمرار التعاون في مجالات عدة بعيداً عن موقف الكونغرس التصعيدي. وبرزت هذه الرغبة بوضوح في إصرارهما على استكمال التنسيق مع موسكو حول سوريا، خصوصاً بعدما سلمت الإدارة الأميركية الجديدة بالكامل بالرؤية الروسية للحل في سوريا؛ تسليم بدأت المعارضة السورية المعتدلة تدفع ثمنه بعد قرار ترمب وقف برنامج تدريبها وقرار البنتاغون سحب السلاح الثقيل الذي زودته بها بعد أن رفضت التوقف عن قتال قوات الأسد، والمفارقة أن واشنطن قدمت كل التنازلات الممكنة لموسكو في سوريا، في المقابل لم تحصل إلا على الصمت الروسي وقليل من النقاشات الجانبية حول مطالب الإدارة الأميركية في إبعاد طهران عن المشهد السياسي في دمشق وخروج جميع ميليشياتها من الأراضي السورية، في حين تبدو موسكو غير مكترثة بموقف واشنطن من مستقبل الأسد، وتلك نتيجة منطقية لقرار ترمب التسليم لموسكو، الذي تبعه قرار البنتاغون في مهادنة الميليشيات الإيرانية والنظام

رغم أن العلاقات الأميركية الروسية تمر بأسوأ مراحلها بعد نهاية الحرب الباردة، يتمسك المروجون لـ«الترمبوتينية» التي يمكن اعتبارها العقيدة السياسية التي يطبقها المقيم الجديد في البيت الأبيض بفرض رؤيتهم للسياسة الدولية، ساعدهم على ذلك التخبط المستمر داخل إدارة البيت الأبيض، وفشل مراكز صنع القرار الأميركية في الخروج برؤية سياسية موحدة داخلية وخارجية؛ الأمر الذي دفع الرئيس الروسي إلى التمسك بعلاقته الخاصة مع نظيره الأميركي وحمايتها؛ حفاظاً على المكاسب الاستراتيجية التي حققتها هذه العلاقة المبنية على صلات غامضة بين دونالد ترمب وجهات روسية قريبة من الكرملين، تمكن من خلالها الرئيس الروسي من فرض سطوته على الرئيس الأميركي، الذي أدت سياساته إلى تحقيق الروس انتصارات مجانية، بعضها على حساب المصالح التقليدية للولايات المتحدة في المنطقة والعالم، حيث تسعى موسكو قدر الإمكان إلى الالتفاف السياسي على العقوبات والتقليل من أضرارها حتى لا تعطي الكونغرس مزيداً من الذرائع من أجل فرض المزيد من القيود على سياسات ترمب الخارجية، والتي قد تؤدي على المدى البعيد إلى الإضرار بالمصالح الروسية، خصوصاً بعد أن قرر الكونغرس مواجهة الترمبوتينية التي أدت بنظر كبار أعضائه إلى تراجع للدور الأميركي أمام الروس.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الترمبوتينية» صامدة ومستمرة «الترمبوتينية» صامدة ومستمرة



GMT 22:50 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بيروت ـــ بغداد... قضاء أم قدر؟

GMT 11:32 2024 الخميس ,22 آب / أغسطس

الصوت يعلو فوق صوت المعركة

GMT 13:22 2024 الجمعة ,16 آب / أغسطس

اللبنانيون المستجيرون بهوكستين

GMT 23:43 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

أخطاء إيرانية شائعة

GMT 21:51 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

لبنان المؤجَّل إلى «ما بعد بعد غزة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon