بقلم :مصطفى فحص
اللجوء إلى الاغتيال السياسي اعتراف ضمني بأمرين؛ الهزيمة والفشل، وهما عارضان سياسيان يصيبان كياناً أو طرفاً أو جماعة نال الضعف منهم فاختاروا الدفاع عن أنفسهم أو عن وجودهم من خلال العنف، لذلك كشفت محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي ليس فقط عن مستوى الضعف الذي وصلت إليه الجماعة المشتبه بضلوعها في العملية، بل عن حجم يأسها من قدرتها على استعادة دورها ووزنها، الأمر الذي دفعها إلى خيار الانتقام ممن تتهمه بالتخطيط لفرض معادلة سياسية وشعبية جديدة في اليوم الأول بعد إعلان نتائج الانتخابات، لذلك كان قرار تصفيته خيارها الأوحد، لكنه يفضح عمق أزمتها وهزيمتها.
نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية هي تعبير واضح عن فشل المشاريع العقائدية المسلحة وعن العقم الذي أصاب هيكليتها التعبوية، لذلك لم يبقَ أمامها إلا خيار واحد هو التخلص من السبب ومن النتيجة، وبعد فشل التخلص من السبب جسدياً تضغط الآن للتخلص منه سياسياً، عبر التخلص من نتائج الانتخابات، والربط بينهما، في شبه معادلة صفرية بألا يبقى الكاظمي ولا تبقى انتخاباته، وفي كلتا الحالين استحالة لا تملك هذه القوى الإمكانات على فرضهما معاً ولا حتى على المساومة على واحدة منهما.
في عمق الأزمة أن القوى المهزومة في الانتخابات قد تعرضت لفشلين؛ الأول الانتخابات والآخر الاغتيال، هذان الفشلان تحولا إلى نكبتين، النكبة الأولى وضعتها أمام خيارات أحلاها مر، فإما أن تعلن تمردها على النتائج وهذا سيؤدي حتماً إلى العنف، وإما أن تختار مقاطعة العملية السياسية وهي بمثابة انسحاب من الحياة العامة، وإما أن تنتقل إلى صفوف المعارضة وهذا يتطلب تغيير خطابها وهي غير مؤهلة للقيام بذلك، أما النكبة الأخرى أنها حوّلت مصطفى الكاظمي إلى لاعب أساسي في العملية السياسية ولم يعد ممكناً احتواؤه أو إخراجه منها، فالرجل الذي خُطط له بأن يذهب إلى تقاعد مبكر بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة بات يملك فرصة قوية للبقاء في موقعه وأن يصبح أحد أركان التسوية، خصوصاً إذا تمت إدانة أحد أطراف القوى المهزومة بالضلوع في محاولة اغتياله.
حتى الآن جميع المخارج التي تقدمها القوى المهزومة في معركة البقاء غير منطقية، فمن المستحيل إلغاء الانتخابات داخلياً وخارجياً، ولا فرض تشكيل حكومة تدير مرحلة انتقالية جديدة، لأن هكذا قرار أشبه بعملية انتقام من جهتين؛ من الرأي العام العراقي على خياراته الانتخابية، ومن رئيس الوزراء على كيفية إدارته الانتخابات. أما اقتراح التعامل مع نسبة الأصوات العامة وليس توزيعها على عدد المقاعد، فإن هذا سيكون من صالح المستقلين الذين حصلوا على أكثر من مليوني صوت، وهذا يعطيهم تقريباً أكثر من 40 في المائة من مقاعد البرلمان فيتحولون إلى الكتلة الأكبر التي يحق لها دستورياً تسمية رئيس الوزراء. فما لم تستوعبه هذه القوى أنه لا يمكن الفصل بين تشكيل الحكومة ونتائج الانتخابات، والدستور يعطي الحق للفائز في تشكيل الحكومة ويترك للخاسر حرية الانتقال إلى المعارضة وليس باستطاعته المطالبة بتقاسم السلطة أو المؤسسات.
أزمة الاغتيال والنتائج لم تزل في بدايتها، والاحتدام السياسي الآن قد يتحول إلى احتكاكات خشنة، وهذا ما يفتح احتمال لجوء أطراف المواجهة إلى العنف، إما دفاعاً عن مكتسباتها الانتخابية وإما دفاعاً عن مكتسباتها في السلطة، لذلك من الصعب التكهن بإمكانية التوصل إلى تسوية سريعة، خصوصاً إذا كان الفائز غير مستعد لتحمل جزء من الخسارة وإذا كان الخاسر غير قادر على تقبل خسارته، وهذا ما يعني أن المفاوضات بين أطراف العملية السياسية تدور في حلقة مفرغة، ما يجعل احتمال التصادم المسلح وارداً جداً، وعليه فإن الأخطر في حالة انعدام الحلول أن الاغتيال قد لا يكون الأخير، وأن الانتخابات قد تكون الأخيرة.