لماذا انفجرت الطائفية
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

لماذا انفجرت الطائفية؟

لماذا انفجرت الطائفية؟

 لبنان اليوم -

لماذا انفجرت الطائفية

خالد الدخيل

يتأسس السؤال في عنوان هذه المقالة على ثلاث فرضيات. الأولى أن هناك طائفية يعترف بها الجميع. الثانية أن هذه الطائفية كانت ولا تزال جزءاً من البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية لقرون. من هنا يأتي السؤال: كيف ولماذا انفجرت الآن؟ وليس لماذا ظهرت أو نشأت؟ الثالثة أن بروز الطوائف عملية طبيعية في سياق تاريخ الأديان، وهي تعبر عن التعددية باعتبارها تقع في صلب التكوين الطبيعي للمجتمع الإنساني. ظهور الطوائف بهذا المعنى تعبير عن اختلاف في الرؤية والتصور والمصالح والقناعات ومستويات الفهم... إلخ، بين أبناء المجتمع الواحد.

عندما ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، نجد أن العوامل المسؤولة عن انفجار الطائفية في العالم العربي متعددة، ولا تتساوى في حجمها ووزن تأثيرها. لا يمكن والحال كذلك تناول كل هذه العوامل. ما هو ممكن تناول أهمها وأكثرها تأثيراً، وهي ثلاثة عوامل متداخلة: عامل الموروث والتأسيس، وقابلية الواقع العربي للتفجير، وأخيراً العامل الإيراني. ينتمي العامل الأول إلى المرحلة التأسيسية في تاريخ الإسلام، ويتبدى في أنه أسس للبنية الطائفية في المجتمعات العربية والإسلامية. لم يكن هذا هو الهدف، لكن هكذا جاءت النتيجة في نهاية المطاف. كانت البداية في السقيفة، حيث كان الخلاف السياسي الأول في الإسلام حول من يحق له أن يخلف الرسول في رئاسة الدولة والأمة الجديدة. حول هذا السؤال بدأ الخلاف بين الأنصار والمهاجرين، وانتهى إلى خلاف بين المهاجرين أنفسهم، ثم خلاف بين المسلمين. أصل الخلاف كما هو معروف، كان سياسياً وليس طائفياً. لكن في سياق الأحداث والصراعات بدأت تتشكل الملل والنحل، كما يقول مؤرخو الفرق. كانت الفتنة الكبرى أو الحرب الأهلية هي التي دشنت بداية هذا التحول الذي استمر أيام الأمويين، ليستقر مع العباسيين بظهور الفرق الإسلامية الرئيسية.

في هذا السياق، تبرز مساهمة العامل الأول في أنه حصر رؤية الإنسان المسلم نفسَه والمجتمعَ والتاريخَ والكون في منظور ديني خالص. المعتقد الديني هو أساس هذه الرؤية، وهو أيضاً أساس الانقسام بين المذاهب. وبالتالي ما يعبر عنه هذا الانقسام في نهاية التحليل ليس بالضرورة القرب أو البعد من المعتقد الصحيح، وفقاً لما يقوله القرآن أولاً، ثم السنّة لاحقاً، ومن ثم من المقدس الذي يمثله هذا المعتقد، وإنما وفقاً لما يرى أتباع هذا المذهب أو ذاك أن القرآن أو السنّة تقوله وتقرره في شأن هذا المعتقد، والمقدس الذي يعبر عنه.

هذا هو الموروث الذي انتهى إليه التاريخ الإسلامي، لكنه موروث احتفظ بحيويته عبر الزمن. ظلت الطائفية والمذهبية سمة رئيسية في تركيبة المجتمع العربي الإسلامي، ومكوناً رئيسياً في تراثه الثقافي والديني. لم يغير في هذا الوضع تعاقب دول إمبراطورية (الأموية والعباسية)، أو نشوء إمارات مستقلة بعد انهيار هذه الدول. السيرورة التاريخية والطبيعة السياسية لهذه الدول لم تتغير كثيراً، وتستخدم الآليات السياسية والأيديولوجية ذاتها. بدا الأمر على نحو مختلف مع انهيار الدولة العثمانية، ونشوء الكيانات العربية تحت ظلال الاستعمار، وما أعقب ذلك من حركات تحرر وطني. بدا حينذاك أن كلاً من الانتماء الطائفي والمذهبي تراجع، وبات من ماض بعيد يتصادم مع الهوية الوطنية الجديدة. لكن، سرعان ما تبين أن مفاهيم الدولة والوطنية والحداثة والمواطنة، التي جاءت مع عصر الاستعمار، وما ترافق مع ذلك من ديموقراطية وليبرالية أو اشتراكية، لم تكن لتعبر عن تحول اجتماعي حقيقي، أكثر منه محاولة لأقلمة قيم وانتماءات قديمة مع إطار اجتماعي سياسي يتشكل بعد الحرب العالمية الأولى. كانت الأقليات تستخدم مفاهيم أو شعارات ليبرالية أو يسارية أو قومية للتخفيف من شعورها الأقلوي، وليس بهدف نسف البنية الاجتماعية وتقديم بديل اجتماعي مع أسس مختلفة للتراتبية وللأقلية والأكثرية. كانت الأكثرية تأخذ بالمفاهيم أو الشعارات ذاتها لإخفاء الأسس التقليدية التي تستند إليها، وادعاء أسس جديدة لتعزيز أكثريتها بحمولتها التقليدية ذاتها، وإن بمفاهيم وشعارات جديدة. وهذا يعني في نهاية المطاف أن الطائفية والمذهبية بقيتا موروثاً حياً حتى بعد أن دخل العالم العربي والإسلامي العصر الحديث. بعبارة أخرى، احتفظت المجتمعات العربية بتركيبتها الطائفية العميقة على رغم دخولها العصر الحديث وتجربة الاستعمار، ونشوء ما عرف بالدولة الوطنية وتغير النظام الدولي. أضعف هذا الاحتفاظ الدولة وجعلها قابلة للاختراق الطائفي، أو التلاعب بتركيبتها الطائفية لمن يريد أن يفعل ذلك.

جاء تأثير العامل الإيراني من هذه القابلية. كانت البداية مع الثورة الإيرانية عام 1979، التي كانت أيضاً أحد الادعاءات الحداثية التي عرفها العرب قبل ذلك. كانت ثورة ضد الشاه وما يمثله سياسياً وتاريخياً، وكانت ثورة ضد الهيمنة الأميركية. وعلى رغم أنها ثورة دينية، وتتبنى مفاهيم دينية قديمة (أبرزها مفهوم ولاية الفقيه)، تعود بالمجتمع أكثر من ألف عام إلى الوراء، إلا أنها حظيت بشعبية كاسحة في إيران والعالم العربي. تعززت هذه الشعبية عربياً بعد تبني قيادة الثورة القضية الفلسطينية، ورفعها شعار المقاومة. لم ينتبه كثيرون إلى أن هذه الثورة ليست أكثر من المحاولة العربية ذاتها للأقلمة، وإخضاع الحديث لسطوة القديم، وأنها تتجه نحو الاصطدام مع الواقع. استخدم النظام السياسي الجديد في إيران الشعبية العربية للتغطية على ما يتطلع إليه في جواره العربي، ولم يتضح ذلك إلا بعد الغزو الأميركي للعراق، ثم الثورة السورية. اتضح أن «إيران الثورة» طائفية بنصوص دستورها وسياساتها الداخلية والخارجية وتحالفاتها الإقليمية. توظف الطائفية كآلية لاختراق بعض الدول العربية، وتوجه تهمة «التكفير، أو رفض المقاومة»، لمن يعارض سياستها هذه. واللافت أن أكثر نجاحات إيران في الاختراق تحققت في دولتين كان يحكمهما حزب البعث بعقيدته القومية العربية المناهضة للفارسية. سقط العراق في حضن الاختراق الإيراني على يد الأميركيين، أما في سورية فأسقط حزب البعث نفسه، واستسلم أمينه العام (الرئيس السوري) للنفوذ الإيراني، أملاً بالبقاء في السلطة أمام ثورة شعبية أصر على تحويلها إلى حرب أهلية مذهبية.

هنا يبرز سؤال: إذا كانت الطائفية في أصلها الأول تعبيراً عن التعددية الطبيعية للمجتمع، فلماذا تتحول إلى مصدر للأحقاد والحروب وخراب الدول؟ المشكلة ليست في أصل الشيء، وهو التعددية، إنما في طريقة التعاطي والتعامل معه بعد أن يتحول هذا الشيء إلى صيغة أخرى ماثلة على أرض الواقع. فالتعددية كصفة طبيعية لحياة المجتمع تفعل فعلها ليس فقط في حال الدين، بل في مجالات أخرى. كما في الدين، هناك فرق ومدارس وتيارات ونظريات متعددة ومختلفة، في حقول الفن والموسيقى والآداب واللغات والفلسفة والسياسة والتاريخ... إلخ. حتى العلوم الطبيعية على رغم ما تتمتع به من صلابة ودقة منهجية مقارنة بغيرها، لم تسلم من حال الانقسام النظري والمنهجي.

لماذا لا يؤدي الانقسام إلى الحروب في الحقول الأخرى؟ الفارق بين الدين والمجالات الأخرى هو المقدس، وجوداً وغياباً. الاختلاف في الدين يعبر بالنسبة إلى طرف ما عن موقف ينطوي على انتهاك للمقدس، ولما هو من ثوابت الدين وضروراته، لدى طرف آخر. انطلاقاً من هذه الرؤية الدينية المنغلقة تغيرت الطبيعة المدنية للتعددية في المجتمع، إلى طبيعة دينية تعبر عن نفسها من خلال التحزب الطائفي. في المجالات الأخرى يغيب المقدس، أي أن الاختلاف خارج المجال الديني هو مجرد اختلاف في المنهج والرؤية وليس في العقيدة. لاحظ هنا تميز الدين عن غيره من المجالات الاجتماعية.

تأتي السياسة بعد الدين من حيث قابلية الانقسام والصراع حولها وعليها لأن يؤدي إلى حروب وصراعات دموية. لا علاقة لهذا بالمقدسات أيضاً، وإنما بالمصالح. وفي المجتمعات التي يتراجع فيها منطق الدولة كما يتمثل بالقانون والمؤسسة، تتحول هذه المصالح في الغالب إلى معادلة صفرية. الأمر الذي يجعل من الاستعانة بالدين والمذهب أمراً مطلوباً وسائغاً في مجتمعات لم تغادر مرحلتها الدينية للتغطية والدفاع عن هذه المصالح. في هذا تزاوج بين منطق المصلحة العارية ومنطق الدين المحض، يكون في الغالب على حساب الدولة ولمصلحة الطائفة. هذا ما انتهت إليه تجربة «الثورة الإيرانية»، و «التجربة القومية» في العراق وسورية، وهي سيرورة تتهدد الجميع.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا انفجرت الطائفية لماذا انفجرت الطائفية



GMT 18:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 18:29 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 18:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 18:25 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

GMT 18:19 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شَغَف عبدالرحمان

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن الرفاعي!

GMT 18:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عكس الاتجاه هناك وهنا (4)

GMT 18:15 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة وتوابعها

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon