ملهاة الحرب على «داعش»

ملهاة الحرب على «داعش»

ملهاة الحرب على «داعش»

 لبنان اليوم -

ملهاة الحرب على «داعش»

خالد الدخيل

يبعث الأمر على الغرابة والدهشة. الولايات المتحدة، وتحديداً إدارة أوباما، لا ترى في كل الحروب ومظاهر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط إلا «داعش»، وانطلاقاً من ذلك شكلت له تحالفاً من ستين دولة. من ناحيتها، عندما قررت روسيا دخول المسرح السوري قالت إنها إنما جاءت لمحاربة «داعش». عملياً هي لا تحارب هذا التنظيم، وادعاؤها عكس ذلك هو لتغطية حقيقة أنها جاءت لدعم الرئيس بشار الأسد. محاربة «داعش» باتت نوعاً من الموضة السياسية للعالم هذه الأيام. قبل أسابيع وجّه هذا التنظيم الإرهابي ضربة موجعة إلى باريس، فانضمت فرنسا إلى الحرب عليه في سورية. بريطانيا هي آخر الملتحقين. الرئيس السوري بشار الأسد ساهم في تسهيل ظهور «داعش»، وتغاضى عنه. لماذا فعل النظام البعثي ذلك وهو من أكثر الأنظمة التي عرفتها المنطقة حرصاً وشمولية وسلطوية ودموية؟ بعد انفجار الثورة باتت الأولوية لإبعاد اهتمام العالم والناس في الداخل والخارج عن النظام وما يقوم به من قمع وقتل وسجن للمعارضين والمتظاهرين. تسهيل مهمة «داعش» يجعل من النظام البعثي الخيار الأفضل للعالم في مثل هذه الظروف المضطربة. ومع أن روسيا آخر من تدخل عسكرياً في سورية، إلا أنها أول وأسرع من التقط هذه الإشارة ورسم حدود حربه هناك على أساسها.

ما الذي يجمع بين كل هذه الدول المتناقضة في أهدافها وأيديولوجياتها وسياساتها بحيث جعلها تجتمع على موقف واحد من ظاهرة الإرهاب، يتمثل باختزال الظاهرة في تنظيم واحد اسمه «داعش»؟ ليس هناك أدنى شك بأن هذا التنظيم من أخطر التعبيرات الإرهابية وأشدها توحشاً، وبالتالي لا شك في أن القضاء عليه أولوية تسبق سواها من الأولويات. الإشكالية ليست هنا، وإنما في حقيقة أن القضاء على «داعش» هدف معلن لكل الأطراف، لكن يبدو أنه هدف غير قابل للتحقيق، ليس في القريب العاجل على الأقل. لماذا؟ ليس بسبب ما يمتلكه «داعش» من القدرات والإمكانات، وإنما بسبب طبيعة السياسات وشكل التحالفات المرسومة لما يقال إنه هذا الهدف وليس سواه. لاحظ الجملة التي يستخدمها الرئيس الأميركي باراك أوباما عند الحديث عن سياسة إدارته تجاه تنظيم الدولة. يقول إن هدف إدارته يقوم على «إضعاف هذا التنظيم كسبيل للقضاء عليه»، ومعنى ذلك أن واشنطن لا تريد صراحة القضاء على «داعش» بضربة سريعة وقاضية، كما فعلت مع نظام الرئيس الراحل صدام حسين، هي تريد عملية متصلة تبدأ من إضعاف قدرات التنظيم، وانتهاء بالقضاء عليه. ومن الواضح أن هذه عملية طويلة وبطيئة بدأت صيف 2014، ولا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من عام ونصف العام عليها. قبل أكثر من شهرين دخلت روسيا في حرب منفصلة عن التحالف ضد التنظيم نفسه في سورية، ومثل التحالف بقيادة واشنطن، ترفض روسيا إرسال قوات برية لمحاربة التنظيم، وتكتفي بتوجيه ضربات محدودة له، خصوصاً خارج مدينة الرقة التي يعتبرها التنظيم عاصمةَ ما يسميه في الإقليم السوري «خلافته الإسلامية».

وسط هذه الصورة الغامضة يبرز سؤال غامض يراود الجميع عن مبرر عدم الاستعجال في إنهاء فصل «داعش»، على رغم زخم وكثافة الحديث عن وحشيته وخطورته على الجميع. الحقيقة أن بقاء التنظيم بقدراته ووحشيته حاجة سياسية لأطراف مختلفة. أميركا تحتاج إليه كأداة ضغط على الحكومة العراقية، والنظام السوري، وإيران بدورها تحتاج إلى «داعش» لتمرير فكرة أنها تحارب التكفير والتطرف في المنطقة من خلال الميليشيات المرتبطة معها. بالمنطق نفسه تحتاج حكومة العراق -حليفة إيران- بقاء التنظيم لتبرير بقاء الميليشيات، خصوصاً الحشد الشعبي، لمحاربة التنظيم. والمدهش هنا انهيار فكرة الجيش الوطني في العراق لمحاربة التنظيم، وأنه لا تمكن محاربته إلا بميليشيات طائفيه على شاكلته. من ناحيته، لا يتخيل النظام السوري، الحليف الآخر لإيران، نفسه مرغماً على التفاوض مع المعارضة بغياب «داعش» عن المشهد السوري. وجه الشبه بينه وبين تنظيم الدولة يجعل من اختفاء الأخير مصدر تهديد لموقعه التفاوضي، لأنه سيكون حينها الطرف الأكثر توحشاً وإرهاباً. روسيا بدورها تحتاج إلى بقاء «داعش» لتسويق هدفها بدعم الأسد وحمايته من السقوط. ما معنى كل ذلك؟ معناه أن الحكومتين العراقية والسورية يتقاطع كل منهما مع «داعش» في الأهداف والسياسات. وذلك من حيث أن كل واحد من هذه الأطراف الثلاثة يعتمد الطائفية كرافعة لسياساته، وكغطاء لأهدافه المباشرة. «داعش» يحتمي بأهل السنة، والنظامان العراقي والسوري يحتميان بالطائفة الشيعية وبإيران كدولة شيعية. هذا التقاطع بين هذه الأطراف الثلاثة هو أحد الأسباب التي تغذي الغموض الذي يحيط بالسياسات الدولية تجاه هذا التنظيم، وتجاه الحلول المنتظرة في المنطقة. يترتب على ذلك، وهذا هو المعنى الثاني، أنه حتى تتضح معالم التسوية في كل من العراق وسورية، ويتم الاتفاق حولها بين الأطراف الرئيسية، سيظل التنظيم جزءاً من المشهد.

طبعاً لا يمكن أن نغفل هنا دور الغياب العربي، أو الارتباك العربي أمام ما يحدث. هناك مثلاً خلاف سعودي مصري غير معلن حول الموقف من إيران والعراق وسورية. وهو خلاف مكلف، يساهم في إفساح المجال لإيران ولروسيا وأميركا، وقبل ذلك وبعده للميليشيات، في مزاحمة الدول العربية في عملية رسم مستقبل منطقة عربية قبل أن تكون أميركية أو روسية أو فارسية أو طائفية. بعبارة أخرى، يتضافر الارتباك العربي مع ارتهان الحكومتين العراقية والسورية لخليط من نفوذ أميركي إيراني في العراق، ونفوذ روسي إيراني في سورية، ليزيد الأمر سوءاً.

في هذا الإطار تنبئ الطريقة التي يتعامل بها العالم مع ظاهرة الإرهاب، بهوة تتسع مع الوقت بين حقيقة الإرهاب ومنابعه وبين تصور الدول المنخرطة في ما يعرف بالحرب على الإرهاب. انخراط عدد هائل من الميليشيات في الحروب الدينية التي تضطرم في العالم العربي، خصوصاً في العراق وسورية، لا يدع مجالاً للشك في أن الطائفية تكاد تكون هي المنبع الوحيد الذي يغذي الإرهاب الآن. وهو إرهاب بدأ بعد إسقاط النظام العراقي عام 2003، ثم انتشار النفوذ الإيراني داخل العراق تحت ظلال الاحتلال الأميركي. مأساة العراق وسورية، ومعهما المنطقة، أن الدول المعنية، خصوصاً أميركا وروسيا، لا تريد مواجهة هذه الحقيقة حتى لا تتعثر الحلول السياسية التي لا يمكن التوافق عليها من دون إجماع هذه الدول. وهذا الإجماع غير ممكن في ظل التوازنات السائدة، وغياب سياسة خارجية متماسكة لإدارة أوباما الأميركية. من هنا تأتي ملهاة الحرب على «داعش». تصور لو أن هناك موقفاً عربياً متماسكاً، هل يمكن أن يترك مستقبل العالم العربي رهينة لمثل هذه السياسات ولميليشيات تفرض أمراً واقعاً على الجميع؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملهاة الحرب على «داعش» ملهاة الحرب على «داعش»



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon