الفلسفة والدين ابن رشد وراسل
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

الفلسفة والدين... ابن رشد وراسل

الفلسفة والدين... ابن رشد وراسل

 لبنان اليوم -

الفلسفة والدين ابن رشد وراسل

خالد الدخيل

في البداية، أشير إلى أن بعض التعليقات حول مقالة الأسبوع الماضي كانت لافتة. ترددت فكرة أن تمييز الدين عن العلم والفصل بينهما ينطويان على تقليل من قيمة الدين المعرفية، ومن شموليته، وربما قدسيته. وهذا استنتاج خاطئ بكل المقاييس. فالتمييز منهجي صرف، بمعنى أن الدين يمثل رؤية منهجية مستقلة بذاتها، وتختلف عن المنهجية العلمية بمعناها الحديث. كذلك، فإن المنطق الذي يقف خلف منهجية الدين يختلف عن ذاك الذي يقف خلف منهجية العلم. فمنطق الدين يستند إلى إيمان يقود إلى اليقين. أما العلم فمنطلقه مختلف، وهو السؤال، وليس الإيمان. أي أن السؤال بمقتضياته، والإشكالية التي ينطوي عليها، هما جوهر منطق العلم. ولأن السؤال هو شغله الشاغل، فإن العلم في حقيقته هو الذي يبدأ بسؤال وينتهي بسؤال. أي أنه ليس هناك يقين نهائي يتوقف عنده العلم عن البحث والسؤال في أية مسألة من المسائل، في أصولها وفروعها، وتحولاتها، ومسبباتها ومبرراتها، وآثارها، ومآلاتها. وهذا أمر لا يتفق مع الدين. فالعبادات مثلاً لا يجوز السؤال عنها لماذا فرضت أصلاً؟ أو ما مبرر أنها على هذا النحو، وبهذا التوقيت، وهذا العدد؟... إلخ. دينياً هذا سؤال غير جائز لأنه ينم عن عدم إيمان وتسليم مسبق بحكمة الشرع، وهي حكمة ليست دائماً جلية للعباد. يمكن السؤال عن شروط العبادة وأركانها وشعائرها، ومواقيتها، وكيفية أدائها، وذلك بهدف معرفة أدائها على النحو الأكمل والأجزى. أي أن السؤال في الدين هو في الغالب عن العمل وشروطه وضوابطه، وليس عن المفهوم والفلسفة التي تقف وراءه.

ولعل ما يقوله السلف عن الكيفية التي عليها صفات الله خير معبّر عن هذه المسألة، إذ يقال أن الإمام مالك سُئل عن كيفية الاستواء في الآية التي تقول: «الرحمن على العرش استوى». وجاءت إجابته هكذا «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول»، أي أن الاستواء معروف كما نصت عليه الآية، لكن كيفيته لا يدركها العقل، والآية لم تبين ذلك لحكمة لا يعرفها إلا الله. وعليه فـ «الإيمان به (الاستواء) واجب والسؤال عنه بدعة». وهذا هو منطق الإيمان في الدين في مقابل منطق السؤال في العلم بالمعنى الحديث لهذا المفهوم.

رأينا في الأسبوع الماضي أن الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل مثلاً يميز بين الدين والفلسفة والعلم، ويعتبر أن كل واحد منها يمثل منهجاً في النظر، وحقلاً معرفياً يختلف عن الآخر. فالدين فيه غيبيات لا يكتمل الإيمان به من دون إيمان مسبق بها. في المقابل، يغيب هذا البعد الغيبي عن المنهج العلمي. وذلك لأن أهم ما يميز هذا المنهج أنه لا يتعاطى إلا مع ما هو قابل للملاحظة المباشرة، أو غير المباشرة. كل ما يقع خارج إطار الملاحظة لا يعتبر موضوعاً للعلم. بعبارة أخرى، الطبيعة، ومحاولة الاقتراب منها، ومعرفة قوانينها وأسرارها هي موضوع العلم. ما وراء الطبيعة، باعتباره ينتمي للغيبيات وغير قابل للملاحظة حتى الآن، لا شأن للعلم به، ولا يقع ضمن مواضيعه. تشترك الفلسفة، كما يقول راسل، مع العلم في منهجها العقلاني، واستقلالها المعرفي عن السلطات التقليدية الموروثة، مثل سلطة المؤسسة الدينية. وتشترك مع الدين في أنها تعتبر ما وراء الطبيعة موضوعاً يقع ضمن اهتماماتها. لكنها تختلف عن الدين في أن تعاملها مع هذا الموضوع ينطلق من منطق السؤال، وليس الإيمان المسبق. أي أنها أقرب بمنهجها العقلاني والنقدي إلى العلم منها إلى الدين.

عندما نأتي إلى ابن رشد (توفي عام 595هـ/ 1198م) يبرز السؤال: كيف كان ينظر هذا الفقيه الفيلسوف إلى هذه المفاهيم الثلاثة؟ لا بد من الملاحظة أولاً بأن العلم في زمنه، أواخر القرن 6هـ/ 12م، لم يتحقق له الاستقلال المنهجي بعد. آنذاك كان العلم لا يزال جزءاً من الفلسفة. من هنا قد يكون محمد عابد الجابري، أحد أبرز المهتمين بسيرة وفكر ابن رشد، محقاً بقوله أن فيلسوف قرطبة كما يصفه، كان يفصل بين الدين والعلم. والأرجح أنه قال ذلك انطلاقاً من أن ابن رشد كان يفصل بين الدين والفلسفة (انظر كتابه: ابن رشد: سيرة وفكر، ص 113). وهذا استنتاج منطقي، وليس معلومة، لأن ابن رشد توفي قبل استقلال العلم كمنهج قائم مستقل عن الفلسفة. ولعل هذا التقاطع والمشترك المركزي بينهما هو ما يبرر ذلك الاستنتاج. واتساقاً مع حقيقة أن ابن رشد كان يجمع في شخصه بين الفقيه والفيلسوف فقد كان يرى شرعية وضرورة الاستفادة من المنهج الفلسفي، إلا أنه كان يحصر هذه الاستفادة في تحقيق هدف الشريعة، ويشترط أن لا تتصادم نتيجة هذه الاستفادة مع الحق الذي جاءت به الشريعة. يتساءل في كتابه الشهير (فصل المقال) عن المسألة الأولى: «هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع؟ أم محظور؟ أم مأمور به، إما على جهة الندب، وإما على جهة الوجوب؟». يجيب عن السؤال بقوله: «إن كان فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات (المخلوقات)، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع (الله)، فإن الموجودات إنما تدل على الصانع... وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم، كانت المعرفة بالصانع أتم»، هذا من حيث التحليل. أما من حيث الاستشهاد بنصوص شرعية تؤكد نتيجة التحليل فيقول في شأنه أن «الشرع دعا إلى اعتبار (النظر في) الموجودات بالعقل، وتطلب معرفتها به (أي بالعقل) فذلك بيّن في غير آية من كتاب الله تبارك وتعالى، مثل قوله تعالى: «فاعتبروا يا أولي الأبصار». وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي والشرعي معاً. ومثل قوله تعالى: «أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء». وهذا نص بالحث على النظر في جميع الموجودات».

يستنتج ابن رشد من ذلك بأن «الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات... وأن هذا النحو من النظر هو أتم أنواع النظر بأتم أنواع القياس»، ثم يضيف بقوله: «وليس لقائل أن يقول: إن هذا النوع من النظر في القياس العقلي بدعة، إذ لم يكن في الصدر الأول (من الإسلام). فإن النظر في القياس الفقهي وأنواعه، هو شيء استُنبط (أيضاً) بعد الصدر الأول، وليس يرى أنه بدعة». هنا لا تفوت ابن رشد الإشارة إلى أن القدماء (فلاسفة اليونان) سبقوا المسلمين في النظر في الموجودات على أساس من القياس العقلي. وأن هذا لا يمنع من الاستفادة مما سبقوا به. يقول: «وسواء أكان ذلك الغير مشاركاً لنا أو غير مشارك في الملّة، فإن الآلة التي تصح بها التذكية (التزكية؟) لا يعتبر في صحة التذكية بها (لا تعتبر صحتها، أو صحة تزكيتها) كونها آلة المشارك لنا في الملّة أو غير المشارك، إذا كانت (تتوافر) فيها شروط الصحة. وأعني بغير المشارك من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملّة الإسلام». في هذا تشديد على أن صحة آلة القياس، أو المنهج نابعة من ذاتها، وأنه لا علاقة لذلك بملّة من يستخدمها.

أما عن شرط موافقة الفلسفة للشريعة فيقول: «وإذا كان... كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر في ما قالوه... فإن كان كله صواباً قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب نبهنا عليه». ويؤكد الفكرة ذاتها مرة أخرى بقوله: «... أن ننظر في الذي قالوه (القدماء) من ذلك، وما أثبتوه في كتبهم. فما كان منها موافق للحق قبلناه منهم وسررنا به، وشكرناهم عليه. وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه، وحذرنا منه، وعذرناهم».

أين يتفق، وأين يختلف راسل عن ابن رشد؟ يرى راسل أن ابن رشد كان أكثر شهرة لدى المسيحيين (الغرب) في زمانه منه لدى المسلمين، وأكثر أهمية بالنسبة إلى الفلسفة المسيحية. كان بمثابة البداية لهذه الفلسفة، والنهاية للفلسفة الإسلامية التي توقفت بعده، وحلت محلها أرثوذوكسية متصلبة. يتفق معه في أن الفلسفة شيء مختلف عن الدين. لكن الاختلاف عند راسل أعمق وأوسع، ويتعلق بمضمون كل منهما وجوهره، وليس بآلة القياس التي يستخدمها كل منهما وحسب. ربما يتفق راسل مع ابن رشد في إمكان استفادة الدين من المنهج الفلسفي في حدود زمن ابن رشد ومرحلته. لكن العكس، أو استفادة الفلسفة من الدين، فأمر غير وارد بالنسبة لراسل. أيضاً ربما موقف ابن رشد المشروط من الفلسفة يعود إلى ما قاله راسل عن أن الحضارة العربية كانت تثير الإعجاب في أوجها، خصوصاً في الفنون وبعض الجوانب التقنية. لكن، كانت تفتقد القدرة على التأمل والتفكير الفلسفي والنظري. أخيراً ينبغي الانتباه إلى الفاصل الزمني بين الاثنين، وأنه أكثر من ثمانية قرون جرت تحت جسورها مياه معرفية ومنهجية كثيرة جداً لم يدركها ابن رشد، واستفاد منها راسل كثيراً. واللافت أن المجادلة التي افتتحها ابن رشد قبل ثمانية قرون لا تزال محل اختلاف في العالم العربي حتى وقتنا الحاضر. كأن هذا العالم لم يستفد من المياه التي جرت منذ زمن فيلسوف قرطبة. وربما الحروب الطائفية التي تعصف بالعراق وسورية هذه الأيام تعبير دموي عن أحد وجوه هذا الجدل والاختلاف، وعمّا انتهت إليه كل من الفلسفة «المسيحية»، والفلسفة الإسلامية.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسفة والدين ابن رشد وراسل الفلسفة والدين ابن رشد وراسل



GMT 18:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 18:29 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 18:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 18:25 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

GMT 18:19 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

شَغَف عبدالرحمان

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن الرفاعي!

GMT 18:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عكس الاتجاه هناك وهنا (4)

GMT 18:15 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة وتوابعها

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon