لماذا التصعيد الروسي الآن

لماذا التصعيد الروسي الآن؟

لماذا التصعيد الروسي الآن؟

 لبنان اليوم -

لماذا التصعيد الروسي الآن

خالد الدخيل

تساءلت يوم أمس، صحيفة الـ «واشنطن بوست» الأميركية، عن السبب وراء التصعيد الروسي في سورية. إحدى الإجابات التي طرحتها الصحيفة، أن روسيا تحاول في هذه اللحظة تعزيز وزنها وحضورها في الأزمة السورية، استعدادا لأي حلّ سياسي قد يفرض نفسه في أية لحظة. هذه الأزمة دخلت منذ زمن مرحلة جمود استراتيجي، فرضته توازنات وتفاهمات موقتة بطبيعتها. فإما أن ينتهي إلى حلّ، أو قد يخترقه تحوّل في التوازنات على الأرض بين المتحاربين، أو في موقف أحد الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة.

هناك احتمال آخر، وهو أن التصعيد جاء نتيجة ثلاثة عوامل: إدراك القيادة الروسية أن موقف حليفها الرئيس بشار الأسد، يزداد حرجاً مع الوقت. الثابت الذي لا يتغير، أن هذا الرئيس يخسر باستمرار. حتى لو حقّق بعض النجاحات، هي في الغالب نجاحات موقتة. ثانياً، إن مرور الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس الأميركي قد يغري الرئيس باراك أوباما، بحصاد ثمنه السياسي على الأرض السورية. وهو أمر سيكون على حساب موسكو بقدر ما أنه على حساب طهران. تصعيد الكرملين في هذه الحالة خطوة استباقية لتعزيز قدرات الأسد، وتعزيز الموقف الروسي استعداداً لمثل هذا الاحتمال. ثالثاً، إن خطوة التصعيد جاءت بعد اجتماع الدوحة الثلاثي بين وزراء خارجية السعودية وأميركا وروسيا، لمناقشة الحل في سورية تحديداً. وجاء بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لموسكو بعد ذلك. ثم جاء ثالثاً بعد وصول الوساطة الروسية بين الرياض ودمشق إلى طريق مسدود، وهي وساطة تحققت ذروتها بزيارة علي المملوك، رجل الأمن الأول في نظام الأسد، إلى جدة في تموز (يوليو) الماضي. وهي زيارة لم تكن واردة في أسوأ كوابيس الأزمة السورية. لكن السعودية أرادت بقبولها المقترح الروسي، كما يبدو، تقديم تنازلاً بهذا الحجم لموسكو للبرهنة عملياً بأنها مع إيجاد حلّ للأزمة. ذلك كله يشير إلى أن روسيا لم تغير موقفها من الأسد، ليس بالضرورة تمسكاً بالشخص، وإنما تعبيراً عن أن مأزق الموقف الروسي في الأزمة امتداد لمأزق الرئيس السوري نفسه الذي تتحالف معه. وعليه، فالتصعيد العسكري جاء بعدما فشلت موسكو في تغيير الموقفين السعودي والأميركي من بقاء الأسد. أي أنها اختارت ممارسة الضغط على السعوديين والأميركيين من على الأرض السورية، بدلاً من كواليس المفاوضات الديبلوماسية. لماذا؟

إذا كانت موسكو لا تتمسّك بالأشخاص في سورية، فهذا يعني أن إصرارها على استبعاد تقرير مستقبل الأسد في هذه المرحلة كشرط للحل، هو للإمساك بورقة الرئيس السوري كورقة تفاوضية، بدلاً من تركها للإيرانيين، لضمان أن الحل المنشود لن يفضي إلى تغيير كامل للنظام. روسيا معنية ببقاء هذا النظام، أو بعض منه كرافعة لبقاء دورها وتأثيرها في سورية، باعتباره آخر ما تبقى لها في المنطقة. لكنْ هناك، كما يقال، أمر آخر لا يقل أهمية بالنسبة الى الروس، وهو أن بقاء النظام أو أجزاء منه تفرضه على الجميع حالة الفوضى التي تسيطر على سورية الآن، وهو ضمانة لا تستطيع موسكو التخلّي عنها طوعاً لمنع الجماعات الإسلامية المتطرفة من السيطرة على سورية، الأمر الذي ترى روسيا أن تأثيره وتداعياته يمثّلان مصدر تهديد لها في محيطها الجيوستراتيجي المباشر، وهو محيط ذو غالبية إسلامية ليست على وفاق كامل مع موسكو وسياساتها.

من ناحية أخرى، يضمر تمسّك روسيا بالأسد، وتصعيدها العسكري في هذه المرحلة لحمايته، ما هو أكثر تشاؤماً وخطورة في تقديراتها، وهو أنها لا تستبعد ما بات يُعرف بـ «الخطة ب»، أو تقسيم سورية. بل قد ترى أنه في مرحلة ما، أنه الحل الأفضل لطمأنة هواجسها وحماية مصالحها. وليس هناك في هذه الحالة أفضل من الأسد. هو الآن زعيم جاهز. رجل معروف، خبرته بالتجربة. يستند إلى طائفته، وله أتباع في منطقته العلوية، ويملك ميليشيا منخرطة في الحرب الآن. لا تسمح ظروف الأزمة لموسكو باصطناع حليف آخر غير معروف لها، وليس له تاريخ، وقد تتحمّل هي مسؤولية اصطناع أتباع له. هذا يعيدنا إلى ما نقله غسان شربل، رئيس تحرير «الحياة»، يوم الجمعة الماضية عن زعيم عربي ذكر في لحظة تجل بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سأله مرة إن كان يعتقد أن «الأسد يفكر في الإقامة على جزء من سورية يضمّ حوالى سبعة إلى ثمانية ملايين شخص.» يشير بوتين بهذا السؤال إلى احتمال تقسيم سورية إلى قسمين، أحدهما يضم الأقليات برئاسة الأسد، وآخر يترك، ضمناً، للغالبية السنية الكبيرة التي يتكون منها الشعب السوري. ما يدل على إدراك الرئيس الروسي أن اللعبة السياسية للرئيس السوري، وحليفته إيران، تتمحور حول فكرة تحالف الأقليات في الشام. من ناحية أخرى، يدلّ السؤال، كما التصعيد، على أن حديث موسكو عن محاربة «داعش» والإرهاب هو صدى لحديث بشار الأسد والإيرانيين عن الموضوع نفسه، وللدوافع نفسها. حديث عن محاربة الإرهاب كغطاء سياسي إما لخضوع السنة السوريين لحكم الأسد بحماية روسية إيرانية، أو لتقسيم سورية وإخراج الأقليات عن حكم الأكثرية. وهذا ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني، الإسبوع الماضي، أثناء زيارة الرئيس النمساوي، بقوله أن الحديث عن الديموقراطية في سورية سابق لأوانه، ولا حاجة لأحد به الآن.

مهما تكن دوافع الروس، فإنك عندما تأخذ موقفهم مع الموقف الإيراني يتبيّن لك إلى أي حدّ خرج مستقبل سورية منذ زمن عن يد الرئيس السوري وطاقمه الأمني والسياسي. منذ 1963، لم يكن الرئيس السوري إلا رئيساً بحكم أمر واقع مفروض بقوة السلاح والأجهزة الأمنية. لم يكن يوماً رئيساً بحكم الشرعية والدستور. حتى هذا سكت عنه السوريون وقبلوا التعايش معه كأمر واقع. آنذاك على الأقل، كان الرئيس السوري رئيساً بحكم أمر واقع سوري. أما الآن، فالرئيس السوري تحوّل إلى ورقة تفاوضية في يد الآخرين. أصبح رئيساً بحكم واقع ليس سورياً على الإطلاق. يشبه الرئيس السوري في دوره وهدفه هذا، وكلاء العلامات التجارية الخارجية في الداخل. هو رئيس بحكم مصلحة إيرانية، ومصلحة روسية، ومصالح ميليشيات لبنانية وعراقية. هل هو في هذه الحالة حقاً رئيس؟ أم زعيم يملك أكبر ميليشيا، ويتمتع بأكبر دعم خارجي من بين زعماء الحرب الأهلية؟ لم يعد السوريون هم الذين يوفرون الحماية لـ «الرئيس». أصبح في حماية الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات الشيعية والمظلّة العسكرية الروسية. والمذهل في ذلك كله، أن بشار الأسد هو من وضع نفسه في هذا الموقع، أولاً بقراره إعلان الحرب على شعبه منذ اليوم الأول للانتفاضة، وثانياً باللعب مع الإرهابيين وإدخالهم في المشهد حتى يبدو أنه الخيار الأفضل لخارج بات يعتمد عليه إما للبقاء في الحكم، أو ليحتفظ بحصته في حال بات التقسيم هو الخيار الوحيد لسورية. ومعه تحوّل الجيش للمرة الأولى من حامٍ للوطن وحدوده، إلى مدمِّر للوطن، تاركاً حدوده مستباحة للحلفاء والأعداء معاً. هل هناك متّسع بعد ذلك لسؤال عن التصعيد الروسي في ظل فراغ تركه الانسحاب الأميركي والانقسام العربي حول سورية؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا التصعيد الروسي الآن لماذا التصعيد الروسي الآن



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon