بقلم - منى بوسمرة
أزمة الدوحة التي دخلت عامها الثاني تثبت أن الدوحة الرسمية، المُصابة بالعمى السياسي، لم تراجع حساباتها حتى الآن، وليس أدلّ على ذلك من مواصلتها لذات السياسات بحق الشعب القطري والمنطقة، رغم الكلفة الكبيرة جداً.
هذه الأزمة الكامنة تحت الرماد بين القطريين، الذين يشعرون اليوم بأن نظامهم تسبب بفصلهم واقعياً ووجدانياً، عن محيطهم الخليجي والعربي أيضاً، لا يمكن إلا أن تأتي فواتيرها مضاعفة، خصوصاً مع ما تفعله الدوحة اليوم من ممارسات تبدأ بالتحريض على دول عربية كبيرة ومهمة مثل المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى الاستعانة بعواصم غربية، ظناً من قطر أن الحل بيد هذه العواصم.
لقد كانت تصريحات أمير قطر، في منتدى الدوحة، لافتة للانتباه من حيث إصراره على أن الدوحة ترفض تدخل أي دولة في شؤون بلاده الداخلية، هذا على الرغم من أن كل ممارسات قطر، على الصعيد السياسي والإعلامي والأمني، تقوم على التدخل في شؤون الدول العربية، مع توظيف المال وثرواتها لهذه الغايات.
هذا ليس سراً، وقد رأينا جميعاً رعاية قطر وحضانتها للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، إضافة إلى إثارة الفوضى في الدول العربية، وتحريض الشعوب على أنظمتها، وعلى بعضها البعض، والنتائج الدموية لذلك من موت وجرح وتشريد الملايين، وخراب الدول، فوق حملات تشويه السمعة التي تخوضها الدوحة يومياً عبر إعلامها، وعبر اللوبيات السياسية والإعلام في الغرب وفي دول أخرى.
وحين يؤشر الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في تغريدته على هذه النقطة بالذات ويقول إن «أمير قطر في منتدى الدوحة يرفض التدخل في شؤونه الداخلية، ويتمسك عبر سياسات بلاده بالتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه ودول المنطقة، ازدواجية تحمل بصمات الأمير السابق، والمختصر أننا في ظل هيمنته لن نرى تغيراً جوهرياً يتيح للقيادة الشابة إدارة الأمور بواقعية»، فهو يشخص الواقع بدقة.. واقع وجود قيادتين لقطر، والمنحى الذي تسلكه هذه الدولة.
لم تتخذ الدول الأربع قرارها مقاطعة الدوحة دون مسببات حقيقية، وهي مسببات تم الإعلان عنها، وقرار المقاطعة الذي تم اتخاذه بعد محاولات مستمرة، على مدى سنوات، لحضّ الدوحة على العودة عن سياساتها القائمة على تضخيم الدور الإقليمي، حتى لو أدى ذلك إلى تخريب المنطقة، لم يتخذ جزافاً، وكان هدفه أن تصحو قطر من غيبوبتها، وأن تعود إلى رشدها، بحيث تبقى مكوناً طبيعياً في المنطقة، معززاً للسلم والاستقرار، ويصون وحدة دول الخليج ومصالحها، كما بقية العرب الذين عانوا الأمرّين من الدوحة أيضاً.
المؤسف هنا، أن الشعب القطري هو الذي يدفع ثمن هذه السياسات، ولا يدرك النظام القطري مجدداً أنه تسبب بعزل شعبه وفصله عن جواره الطبيعي، على غير ما يريد القطريون، متحدّياً بذلك الجغرافيا والتاريخ والإرث المشترك.