مرثية «مارك لينش»

مرثية «مارك لينش»..!

مرثية «مارك لينش»..!

 لبنان اليوم -

مرثية «مارك لينش»

بقلم - عبد المنعم سعيد

«مارك لينش» هو أستاذ العلوم السياسية والشؤون الخارجية فى جامعة جورج واشنطن وزميل فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، وكلتاهما فى العاصمة الأمريكية واشنطن.

وبغض النظر عن تخصصه الأكاديمى، فهو يعد من خبراء الدارسين لجماعة الإخوان، وخبرته لا تستند فقط إلى دراسة الموضوع والكتابة عنه، وإنما إلى صلات وثيقة بالجماعة، جعلته يكتب، ويتحدث باعتباره عالما متبحرا فى الموضوع.

الصدفة وحدها هى التى جعلتنى أتعرف إليه، عندما اطلعت- مطلع خريف عام ٢٠٠٧- على مخطوطة دراسة عن الإخوان، قدمها للنشر فى مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديز بالولايات المتحدة الأمريكية. كانت الدراسة مفاجئة لى حينما وجدتها تقدم الجماعة باعتبارها عنوانا للاعتدال والليبرالية والاستعداد للانخراط فى العملية الديمقراطية، لولا العسْف السلطوى الذى يمنعها من المشاركة.

وللحق فإن ذلك لم يكن بعيدا عن الجماعة وما تقوله فى القاهرة فى ذلك الوقت، خاصة بعد أن بات لها ٨٨ مقعدًا فى مجلس النواب المصرى عقب انتخابات ٢٠٠٥، ولكن سرعان ما ظهرت عندما أرسل المرشد العام لجماعة الإخوان فى ذلك الوقت إلى عدد من المثقفين والكتاب والسياسيين ببرنامج للجماعة يطرح فيه خطواتها لتغيير النظام السياسى فى مصر. لم يكن البرنامج سوى صورة نقية للفاشية الدينية تأخذ من النظام الإيرانى هدًى ونبراسًا لسيطرة جماعة الإخوان على كل السلطات السياسية فى مصر من الدستور، للبرلمان، لسلطات دينية أخرى فوق كل ذلك.

وقتها اعترضت على نشر دراسة «مارك لينش» مقدما للبرنامج الجديد للجماعة الذى يخالف ما يطرحه، وبمجرد علمه بهذا البرنامج سافر إلى القاهرة والتقى بقيادات الإخوان، وعاد ليؤكد مرة أخرى ما قاله من قبل مع الإشارة إلى وجود جماعات محافظة داخل الجماعة، تحاول جذبها بعيدا عن التيار الديمقراطى!.

ولما قمت بتحليل البرنامج فى دراسة تحت عنوان «فهم الإخوان» باعتبارها المعبر عن التيار الأصيل فى الجماعة، فقد قام المركز بنشر الدراستين كنوع من «الحياد العلمى». ما حدث فعلا أن الإخوان عندما نالوا حكم مصر ٢٠١٢ /٢٠١٣ كان دستور ٢٠١٢ الذى قدموه للحكم متفقا فى الجوهر مع برنامج عام ٢٠٠٧. وبعدها بست سنوات تقريبا نشر «مارك لينش» دراسة فى دورية «الشؤون الخارجية» الأمريكية تحت عنوان «النظام العربى الجديد: السلطة والعنف فى الشرق الأوسط الآن» قدم فيها لمرثية ما سماه «الربيع العربى»، وكيف كان تقديما لمشروع ليبرالى مجيد، وجاء فشله بسبب النزعة السلطوية الكامنة فى المجتمعات العربية، ومع هذا الفشل جاءت نكبات الحروب الأهلية والتراجع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.

المرثية تعتمد على ثلاث مقولات جوهرية:

الأولى أن ثورات «الربيع العربى» كانت تسعى إلى الديمقراطية وإقامة مجتمع ليبرالى.

والثانية أن جماعة الإخوان كانت السند الرئيسى لهذا الاتجاه.

والثالثة أن نتيجة الفشل قيام نظام عربى جديد ضعيف ومتهافت وعاجز عن اللحاق لا بالعصر ولا بالتقدم.

المقولات الثلاثة لا يوجد ما يؤيدها تاريخيا فيما شاهدناه، وعلمناه خلال السنوات الماضية؛ فالحقيقة أنه لا يوجد إطلاقا ما يؤيد وجود نزعة ديمقراطية أو ليبرالية فى الثورات التى جرت خلال العامين ٢٠١٠ و٢٠١١، وفيما عدا كلمة «الحرية» التى ارتفعت ضمن شعارات الثورات على «العيش» و«العدالة الاجتماعية» و«الكرامة الإنسانية»، فلم يكن هناك فى أى وقت برنامج أو تصور لكيفية تحقيقها أو حتى ماذا تعنى فى الواقع العملى.

كان هناك تصورات لبعض الجماعات السياسية ذات الأصول الماركسية، مثل الاشتراكيين الثوريين والجماعة التروتسكية التى فى حقيقتها «الشيوعية» لم يكن يعنيها شىء كثير من الحريات العامة، وكان هناك جماعات ناصرية لم يكن كل ذلك موضوعها، وإنما كيف تستأنف النضال ضد الإمبريالية والصهيونية، وكان هناك بالطبع جماعة الإخوان، الذين بدأوا منذ اللحظة الأولى الاستعداد لتطبيق برنامج ٢٠٠٧.

كان التوجه العام قبل كل هذا وذاك تدمير الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وعندما طرح فى مصر السير فى طريق الانتخابات، فإن الثوار ظلوا على إصرارهم فى البقاء فى الشوارع والميادين، فذهب الإخوان إلى الصناديق، ووضعوا الدستور الذى يضع مصر بامتياز على الطريق الإيرانى.

وفى سوريا والعراق واليمن وليبيا واليمن بدأ الطريق ممهدا نحو الحرب الأهلية الشاملة.

الإخوان لم يكونوا لا ليبراليين ولا ديمقراطيين، وكل ما كانوا يستطيعون تقديمه هو أنهم معتدلون، بالمقارنة مع القاعدة وداعش، ولكنهم فى كل الأحوال ظلوا على طريقتهم فى تفريخ الكوادر لهذه الجماعات، وعندما جرى الفرز السياسى، فإنهم كانوا فى مقدمة العنف المستخدم ضد السلطات.

القاعدة الشبابية لثورات «الربيع العربى» كانت من التفتيت والتشرذم ما أفقدها الفعالية، وعندما وضعت فى الاختبار فإنها فشلت فشلا ذريعا.

فى مصر كان الأداء فى الانتخابات فاشلا، وفى سوريا فإنها سرعان ما فقدت كل مكانة لها فى تمثيل «الثورة السورية»، وفى بقية الجبهات وضعت الثورات المقدمة للتقسيم وتبديد الثروات والتمهيد لكافة أشكال التدخل الأجنبى الإقليمى والدولى.

هل معنى ذلك أن ما تبقى من العالم العربى ليس سوى نظام عربى جديد لا يملك سوى الفشل، ومحكوم عليه بالتراجع الأبدى وفقا لمرثية «مارك لينش»، طالما أن الضوء الذى جاء به «الربيع العربى» تحول إلى ظلام حالك؟

الواقع العربى الراهن لا يقطع بذلك، وتبدو التجربة التى مرت بها الدول العربية كأنها قدمت التحصين ضد العديد من الأمراض المستعصية؛ فقد خرجت الدولة منها وهى الفكرة الوحيدة الواقية من الفوضى والعنف والاحتراب والتعصب.

ورغم كل شىء فالتقسيم لم يحدث لا فى سوريا ولا فى ليبيا ولا فى اليمن، وظهر أن نتائج القسمة فى العراق عندما طرح الاستفتاء الكردى غير قابلة للتطبيق.

ولكن أهم ما انتهى الأمر إليه ليس فقط أنه لا يمكن العودة إلى الماضى، وأن الاستمرار فى «الثورة» والعنف والإرهاب لن يكون المصير المقبول، وإنما أنه لا مفر من عملية إصلاحية، بدأ السعى فيها فى أكثر من دولة عربية. مثل هذه العملية السائرة فى مصر والسعودية والأردن والمغرب وتونس والإمارات البحرين، لا تجد لها مكانا فى مرثية «مارك لينش»، لأن العرب ليس أمامهم سوى خيار السير فى طريق الإخوان، فيكونون من الديمقراطيين أو أن تتلبسهم لعنة أبدية من الفشل الذى ليس له بديل.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرثية «مارك لينش» مرثية «مارك لينش»



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon