بقلم: عبد المنعم سعيد
أرجو ألا أكون متشائمًا كثيرًا فيما يتعلق بمشاهدة لحاق المنتخب الوطنى المصرى بنهائيات كأس العالم لكرة القدم خلال الفترة المتبقية من حياتى. فما حدث كان هو تمامًا ما جرى من قبل على مدى التاريخ الطويل لممارسة كرة القدم في مصر، والذى رغم قدمه وريادته لمناطق كثيرة في العالم إلا أنه استغرق ٣٦ عامًا لكى ننتقل من المشاركة الأولى (١٩٣٤) إلى الثانية (١٩٩٠) و٢٨ سنة لكى نأتى إلى المشاركة الثالثة (٢٠١٨). المسافات الزمنية هنا لا تختلف كثيرًا عن مسافات مماثلة أو قريبة منها في اللحاق على سبيل المثال بالثورات الصناعية المختلفة، أو بمحو الأمية محوًا كاملًا، أو بتغيير الترتيب المصرى إلى الأمام في التقارير العالمية المعروفة للتنمية البشرية أو التنافسية وبالتأكيد ممارسة الأعمال. وقبل أسبوعين كتبت في هذا المقام مقالًا تحت عنوان «لماذا لم نذهب إلى كأس العالم» وفيه تحدثت عن مآسينا السابقة التي استنكرت فريضة التراكم للخبرات، والتعلم من التجربة، والصبر عند الهزيمة حتى تنضج العناصر الجديدة. لم تكن هناك مقارنة يمكن إجراؤها بين عالم كرة القدم، والعالم الجديد أو «الجمهورية الجديدة» التي يتم بناؤها في مصر الآن حيث السرعة فريضة، ولكن إنشاء البنية الأساسية كان له الأولوية خلال السنوات الثمانى الماضية، التي تؤشر إلى كيف سيكون عليه حال مصر بعد ثمانى سنوات أخرى وتحديدا في عام٢٠٣٠. في عالم كرة القدم تم تعيين وطرد أربعة مدربين ما بين نهائيات كأس العالم السابقة ونهائيات هذا العام، بمتوسط مدرب كل عام. والحقيقة أن المشكلة لم تكن أبدًا في المدربين بقدر ما كانت لنفاد الصبر، وغياب الهدف، وضعف القدرة على التعلم من الهزائم. لو تخيلنا أن طريقة كرة القدم جرى تطبيقها على بقية الأمور المصرية، لما تم إنجاز شىء، ولا تحقيق أهداف النمو والتنمية، ولا كانت المواجهة ناجحة مع الإرهاب، ولا كان التعامل الإيجابى ممكنًا مع «الجائحة»، ولا كان التحمل قائمًا مع الحرب الأوكرانية.
قد يبدو الأمر مختلفًا ما بين عالم الكرة وعالم البناء للدولة، وهو كذلك بالفعل مختلف؛ ولكنه على اختلافه لا ينفى المبادئ الأساسية للتعامل مع عمليات التغيير الكبرى التي تبدأ دائمًا بالاعتراف بالأمر الواقع، والحقيقة التي تختبر في موجات السباق العالمى. وللحق فإن نصيب الرياضة، وكرة القدم خاصة، من خطط التنمية المصرية كبير ومقدر، وخلال السنوات القليلة الماضية شهدت مصر بناء واسع النطاق للاستاد والملاعب الرياضية، ولا تخلو مدينة من المدن الجديدة من الإنشاءات الرياضية، وفى العاصمة الإدارية الجديدة توجد مدينة رياضية متكاملة تستطيع استضافة مباريات كأس العالم، ودورات أوليمبية مقبلة. ولكن في المقابل فإن واقع رياضة كرة القدم ليس مماثلًا لهذا الإنجاز بداية من الاعتراف بالقدرات المتواضعة للاعب المصرى من حيث الطول واللياقة البدنية والسرعة والإصابات المتواترة، فضلًا عن دوام الشكوى من نوعية الملاعب والحكام، وضعف المشاركة في أندية العالم المتقدمة مقارنة بالدول الإفريقية والعربية الأخرى. صحيح أن السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا في هذا المجال مع الظهور المدوى للاعب محمد صلاح، وما يقدمه من مثال لباقى اللاعبين المصريين في ضرورة بناء الذات نفسيًّا وعقليًّا وبدنيًّا؛ إلا أن «مو» و«النينى» و«تريزيجيه» لا يكفون للتعامل مع منتخبات كل لاعبيها يلعبون في أندية العالم الكبرى.
المسألة ليست اللاعبين فقط، وإنما النظام العام لكرة القدم في مصر، والذى لثلاثة أعوام كاملة- منذ كأس العالم الماضية تقريبا- لم تنتظم فيه اللعبة بأى شكل، ولم يحصل فيه اللاعبون المصريون على فترة استراحة مستحقة في الجداول العلمية لتدريب اللاعبين. ومع كل ذلك فإنه يستحيل على المدرب مصريًّا أو أجنبيًّا أو قادمًا من تدريب دول عظمى أن يشكل فارقًا مع الفريق المصرى، وهو يعلم تمامًا أن مقصلة الطرد والفصل سوف تأتى لا محالة لأن المطلوب منه أن يفوز دائمًا ويحقق لعبًا ممتعًا في نفس الوقت. لحسن الحظ أن المدربين الأجانب كان لديهم الكثير من شجاعة محاولة اللعب بالتوفيق ما بين قدرات اللاعبين والخطط التي تجعل في إمكانهم الفوز أحيانًا، والوصول إلى مراتب متقدمة في المسابقات الإقليمية، وحتى الطرق على أبواب نهائيات كأس العالم. الأمر المؤكد الذي نتعلمه أن تغيير المدرب لا يؤدى إلى النصر، وعندما وصلنا في المرة الأخيرة إلى كأس العالم بعد ٢٨ سنة من البعاد لم نقم بالبناء على التجربة، والآن فإن المؤشرات تشير إلى انتظار ٢٨ عامًا أخرى. ربما كانت أطول من ذلك أو أقصر فلا فرق