بقلم : عبدالمنعم سعيد
يوم الاثنين الماضى شاركت فى جلسة عن اقتصاديات الشرق الأوسط فى ملتقى دبى الاستراتيجى، وكانت وظيفتى فى اللقاء أن أوضح البيئة «الجيوسياسية» لعملية التنمية فى المنطقة.ما قلته فى هذا المحفل ليس مهمًا الآن، فما لفت نظرى ما قاله واحد من أهم المستثمرين على الساحة المصرية، لافتًا النظر إلى أن مصر من أكثر الاقتصاديات الواعدة، وأن معدل العائد فيها يزيد على ٩٪، وأن المصريين على عكس ما يبدو عنهم لديهم من الثروة أكثر مما هو ظاهر.
عادت بى الذاكرة ساعتها إلى الفترة التى سبقت مشروع «قناة السويس الجديدة» عندما تسابق المصريون إلى شراء شهادات الاستثمار الخاصة بالمشروع، وعندما جرى إغلاق الباب أمام المساهمين بعد ثمانية أيام كان ما تم جمعه ٦٤ مليار جنيه، ولم يكن الجنيه قد جرى تعويمه بعد.
ذكر فى تلك الأيام أن ٣٨٪ من هذا المبلغ جاء من تحويلات بنكية، وما عدا ذلك كان نقدًا وعدًا، حيث كانت لديهم أولا الثقة فى الحكومة القائمة بالمشروع، والبنوك التى سوف يودعون أموالهم فيها، كما أن الفائدة ساعتها ١٢.٥٪ كانت مغرية لكل من كان لديه تفكير اقتصادى.
الذاكرة فرضت نفسها أيضا أن هناك تقديرات للاقتصاد غير الرسمى فى البلاد تتراوح ما بين ٣٥٪ و٦٠٪؛ وذلك غير حجم آخر من الاقتصاد الرسمى، ولكنه يمثل «رأس المال الميت» فى البلاد؛ وفى الأيام الأخيرة تردد الحديث عن «المزايا النسبية» المنتشرة فى المحافظات، والتى جرى إهمالها أو عدم استخدامها، وفى هذه الحالة فإنها تسمى «تكلفة الفرصة الضائعة».
وأخيرًا بمجرد عودتى من المدينة العامرة نشر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أنه من المتوقع طبقا لإحصائيات البنك الدولى أن تشغل مصر فى العام الحالى المكانة الخامسة فى ترتيب الدول حسب تحويلات العاملين منها فى الخارج. تقدمت مصر أربع مراتب بعد أن كانت التاسعة عام ٢٠١٦ وبتحويلات ١٧ مليار دولار تقريبا، حيث أصبحت التحويلات المتوقعة ٢٦.٤ مليار فى العام ٢٠١٩ بزيادة مليار تقريبا عن العام الماضى ٢٥.٥ مليار. خلال عامين تعدت مصر أكثر من ٥٠ مليار دولار، أى أكثر من أربعة أمثال ما أقرضنا إياه صندوق النقد الدولى، وأربعين مرة حجم المعونة الأمريكية لمصر. والحقيقة أن هذا القدر أقل بكثير مما يمكن تحويله لمصر كل عام.
الحقائق هى أن هناك أكثر من ١٠ ملايين مصرى خارج البلاد، وأنه خلال السنوات الماضية تصاعدت نسبة تحويلاتهم كما بيّنا، ويعزى هذا التصعيد إلى التفكير – وصدق أو لا تصدق – الاقتصادى للمصريين؛ فخلال هذه الفترة أصبحت قيمة الجنيه المصرى حقيقية، ومن ثم انخفض سعرها، ومن ناحية أخرى ارتفعت أسعار الفائدة على الودائع.
ذهب المصريون إلى حيث ترتفع قيمة أموالهم بالاستثمار فى العقارات والشهادات البنكية المعتبرة، فتصاعدت تحويلاتهم كما رأينا. المرجح الآن أنه وقد انخفضت أسعار الفائدة، ومعها انخفاض أسعار العقارات، فإن المرجح هو تراجع هذه التحويلات، لأن العقارات أصبحت أقل ربحًا والفائدة لم تعد مغرية. ولكن هذا التراجع ليس حتميًا ولا ينبغى أن يكون مرجحًا إذا ما اعتمدت سياسات اقتصادية تشجع على التحويل وأولها تخفيض تكلفة التحويل العالية حاليا بالمقارنة بدول العالم الأخرى، وحتى لا يقرر العاملون المصريون فى الخارج تحويل أموالهم نقدًا وليس عن طريق البنوك. المركز المصرى للدراسات الاقتصادية يقترح عددًا من الحلول لها علاقة بنشر فروع للبنوك المصرية فى الخارج، وخدمات التحويل المالية، وحتى مكاتب البريد المصرية.
ولكن هناك ما هو أكثر، وربما ما هو أهم، وهو فتح باب المساهمة فى شركات استثمارية مربحة، ومنذ فترة طويلة جرى الحديث عن تحويل شركات البترول المصرية إلى شركات مساهمة يشترى فيها المصريون الأسهم؛ وينطبق الأمر ذاته على العاصمة الإدارية، والكثير من شركات البنية الأساسية والهيئات العامة التى تولد دخلا كبيرا. الفرص فى مصر بالقطاع العام الذى بقى على حاله لسنوات طويلة إذا ما فتحت أبوابها، وتجلت أسهمها، سوف تخلق سوقا واسعة تجلب الأموال ورأس المال وتبقى على التحويل قائما ومضاعفا، ويعطى الفرصة لتنويع مصادر العائد للمصريين فى الخارج. ووفقا للمركز المذكور فإنه يوجد حاليا اتجاه كونى للزيادة فى حجم التحويلات، بحيث تزيد على المعونات الأجنبية والاستثمار الأجنبى؛ وهناك ما يشير إلى أنها أكثر كفاءة عن كليهما فى تحسين التنمية الاجتماعية فى الدول المستقبلة للتحويلات. تحويلات العاملين المصريين فى الخارج ليست مجرد أموال تحقق الاستقرار للعملة المصرية، ولكن من الممكن لها أن تكون دافعًا كبيرًا للتنمية.