السباق المصري مع الزمن

السباق المصري مع الزمن

السباق المصري مع الزمن

 لبنان اليوم -

السباق المصري مع الزمن

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

اليوم يكون قد مضت ٦٧ عامًا على ثورة يوليو ١٩٥٢ التى أخذت مصر على طريق «الجمهورية» منشئة حلقة جديدة فى مسيرة الحداثة التى بدأت مع تولى محمد على ولاية مصر عام ١٨٠٥. قرابة قرن ونصف من الملكية وضعت مصر على طريق يعكس ما كانت عليه المحروسة فى عصور سابقة تآكل فيه عدد السكان نتيجة الفقر والأوبئة والمرض والجهل حتى إن مصر التى كانت فى نهاية العصور الفرعونية قد بلغت حوالى عشرة ملايين نسمة (فى مصادر أخرى ثمانية ملايين) أصبحت مع الغزو الفرنسى لمصر عام ١٧٩٨ مليونا ونصف المليون من البشر، نصفهم من الذين يعانون من العمى وأمراض الرمد.

يوم قامت الثورة كان عدد سكان مصر قد بلغ ٢٢ مليون نسمة ويضاف إلى ذلك اختراق كبير للأراضى المصرية من خلال الترع التى أخذت مياه النيل شرقا وغربا، ومن خلال السكك الحديدية التى ربطت أجزاء مصر المعمورة ببعضها، ومع منتصف القرن العشرين كانت مصر فى المرتبة المتوسطة بين دول العالم فكانت أكثر رقيا من تركيا واليونان والبرتغال، وليست بعيدة كثيرا عن إيطاليا. ما كان مهما خلال هذه المرحلة أمران: أولهما أن مصر كانت بنت عصرها تلتقط كل ما أفاء به العلم من التقدم التكنولوجى فى العالم. وثانيهما أنها كانت واعية للسباق العالمى الجارى بين الأمم ومن ثم دخلت السباق وفق مفرداته فى التعليم والصحة والثقافة وأشكال ما بات يسمى بالقوة الناعمة الأخرى من فنون وآداب.

العصر الجمهورى فى عقده الأول حافظ على المقومات الأساسية للدولة الزائلة، واعتمد على النخبة التى تكونت خلال عقد الأربعينيات، وكثيرا منهم كان قد عاد لتوه من البعثات التى جرى إرسالها إلى العالم الأكثر تقدما منها.

... ولكن ذات العصر سرعان مع الستينيات ولأسباب لا مجال هنا للتفصيل فيها أن خرج على المسار الحداثى فى أمرين: أولهما الخروج من السباق العالمى تحت مظلة «الخصوصية» العربية. وثانيهما استيعاب الجماهير تحت مظلة «كمية» من مجانية التعليم إلى مجانية الصحة إلى شبه مجانية الإسكان، تراجع فيها «النوع» الحداثى فى الفكر وتزايد فيها النوع السلفى الذى ظهرت آثاره فيما لحق من أزمان.

هذا المقال ليس مخصصا للمقارنة بين العهدين الملكى والجمهورى؛ ولا يراد منه محاكمة أى من العصرين أو كليهما؛ وإنما التأكيد على أهمية أن تكون مصر جزءا من عصرها، ولديها الإدراك الكامل بطبيعة السباق والمنافسة الجارية فى العالم الذى نعيش فيه. وعندما قام الوالى محمد على بإرسال البعثات العلمية إلى أوروبا كان لإدراكه أن تقدم المصريين لن يقوم إلا على أكتاف العالم الغربى، وعندما قام إسماعيل ببناء القاهرة الخديوية كان يقيم مدينة عصرية بمعايير أيامه، وعندما سعت الأسرة العلوية إلى بناء جامعة فؤاد كان بداية لجامعات أخرى.

كان انتشار العمران واختراقه الإقليم المصرى من أعمدة المسيرة التى استمرت خلال العهد الجمهورى، وكانت العاصمة (القاهرة) مناط التقدم والإضافة. وفى عام ١٩٥٦ سجل التاريخ إضافة حى «مدينة نصر» وكورنيش النيل وكان كلاهما جزءا من مخطط عمرانى شامل للعاصمة. هذا المخطط بدأ تحديثه مرة أخرى عام ١٩٧٠ ولكن التصديق على التحديث لم يتم سوى فى عام ١٩٧٣، وتضمن تصورًا للمدينة ممتدًا حتى عام ١٩٩٠ تكون القاهرة الكبرى فيها محتوية على ما بين ١٥ و١٦ مليون نسمة، وتمتد شرقًا فى اتجاه مدينة العاشر من رمضان والعبور، وغربًا فى اتجاه مدينة ٦ أكتوبر، وجنوبًا فى اتجاه مدينة ١٥ مايو.

وفى عام ١٩٨٠ أضيف إلى هذا التصور توسعات تشمل حوالى ٩٠٠ ألف نسمة، مع إضافة الطريق الدائرى الذى بات متصورا أن يكون هو المحيط الجديد للعاصمة، والمنفتح على ممرات حضرية فى اتجاه الإسكندرية والسويس والعين السخنة والإسماعيلية والصعيد.

هذا التصور أعيد تعديله وتطويره مرات أخرى فى سنوات ١٩٩١ و١٩٩٤ و١٩٩٧ وفى كل مرة كان الأمر يتطلب إضافة مساحات جديدة لاستيعاب السكان بحيث تستوعب القاهرة الكبرى ١٣ مليونا إضافيا ما لبث أن استوعبتهم العشوائيات.

ما حدث فعلا أيضا هو أنه قبل ثورة يونيو ٢٠١٣ كانت قد اكتملت كليا أو جزئيا ٢٢ مدينة أضيف لها بعدها ١٤ مدينة، بحيث بات متوقعا أن يصل العدد الإجمالى للقاهرة العظمى وحدها ٢٤ مليون نسمة مع حلول عام ٢٠٢٠.

ما كان قصورا فى هذا التوسع العمرانى أولًا أن البنية الأساسية لم تتوفر بنفس سرعة البناء المعمارى، ومن ثم ظلت بعض هذه المدن دون قدرة على استيعاب سكانها؛ وثانيًا أن المواصلات بين هذه المدن والمناطق الحضارية الكبرى سواء كانت فى القاهرة أو الإسكندرية أو مدن القناة ظلت قاصرة عن استيعاب حركة المواطنين؛ وثالثا أنه نتيجة العاملين السابقين فإن الأغلبية من هذه المدن لم يصل السكن فيها إلى الحد المحدد له من حيث عدد السكان فبات عدد سكان مدينة الشيخ زايد ٣٣٠ ألف نسمة، ومدينة العاشر من رمضان ٦٥٠ ألف نسمة وهى أرقام كان يمكن أن تختلف لو تضمنت أعداد العاملين فى هذه المدن؛ ورابعا أن التوسع العمرانى تابعه حالة من عدم الانضباط الاجتماعى التى أدت إلى ظاهرة «الكومباوند» من ناحية، و«العشوائيات» من ناحية أخرى.

هذه السلبيات جميعها تجرى لها المعالجة بأشكال شتى حيث بات التركيز مشتملًا على عدة أمور، أولها الربط بين البناء و«الترفيق» أو مد المرافق الأساسية ومما ساعد على ذلك النهضة الكبيرة فى البنية الأساسية التى انتقلت من العجز إلى الفائض فى الكهرباء والغاز؛ وثانيها أن البناء أيضا أصبح يعاصره مد وسائل المواصلات البرية والسكك الحديدية السريعة و«المونوريل» وساهم فى حدوث أكبر عملية للتوسع فى بناء الطرق جرت فى مصر فى العصر الحديث؛ وثالثها أن تنمية المدن ارتبط بها تنمية مناطقى تحتوى على أنشطة تنموية صناعية أو زراعية أو الصيد والخدمات المختلفة ويجرى ذلك فى محور قناة السويس، والساحل الشمالى، والصعيد، وفى القريب سيناء.

كل هذا الجهد رغم اتساعه فإنه يواجه بالتحديات الكبيرة المصاحبة للزيادة السكانية، والتدهور الجارى فى المدن القديمة والمناطق الحضرية التقليدية، والصعوبات المتصاعدة لإدارة تركيبة معقدة من الحداثة الواجبة فى التعليم والصحة والثقافة والتنمية المستدامة فى وقت واحد.

استخدام الزمن الذى يشكل فارقا فى عملية السباق والمنافسة العالمية نحو التقدم والبناء والعمران.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السباق المصري مع الزمن السباق المصري مع الزمن



GMT 17:40 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... الانهيار أو الجمهورية الثالثة

GMT 10:39 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسباب التضييق على لبنان

GMT 10:37 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

صوت واحد بلهجات كثيرة

GMT 10:22 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يهبّ «حزب الله» لإنقاذ عهده

GMT 20:25 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

لم تعد القوات الأميركية قضية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم

GMT 15:48 2013 السبت ,08 حزيران / يونيو

ثلاثة فضاءات لـ "المثلث الإسلامي"؟

GMT 08:51 2012 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

أجمل 30 امرأة في العالم في حضور عربي واضح
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon