أخيراً استجابت حركة حماس، أمام إصرار حركة فتح على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وقدمت الرسالة الخطية المطلوبة موقعة من رئيس مكتبها السياسي.
الرسالة وترحيب الرئيس محمود عباس، وحركة فتح، لم تحظ بكثير من الاهتمام الإعلامي، بما في ذلك الفلسطيني ولم تحظ أيضاً باهتمام لافت من قبل الجمهور الفلسطيني.
بحذر شديد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الإعلامية، وحتى عديد الكتاب والصحافيين خبر الرسالة والرد عليها وأكثر الصحافيون من الأسئلة القلقة الباحثة عن أسباب هذا التطور في موقف حماس.
الجمهور الفلسطيني محق في تجاهله بسبب تعدد خيبات الأمل، حتى لم يعد يصدق أي إعلانات أو تصريحات أو بيانات أو اتفاقيات بشأن المصالحة خصوصاً أن الأجواء الإيجابية التي تولدت منذ اجتماع الأمناء العامين لم تحدث فرقاً في المناخ العام، ذلك أن وقائع الانقسام لا تزال ماثلة.
فقط يمكن للجمهور أن يتفاعل بإيجابية حين يجد نفسه أمام خطوات عملية ملموسة تنعكس على واقع الحياة السياسية والاقتصادية والمؤسساتية.
في الواقع فإن الحوار الذي بلغ مستويات إيجابية بين حركتي فتح وحماس كان قد توقف وشهد انتكاسة، حين كان وفدان منهما يجتمعان في القاهرة، وذلك لسببين:
السبب الأول، سياسي، ويتصل بإعلان السلطة عودة علاقاتها بما في ذلك التنسيق الأمني مع إسرائيل، أما السبب الثاني، فكان الخلاف حول ملف الانتخابات بين متوالية ومتزامنة.
رسالة السيد إسماعيل هنية أزالت العقبة الثانية التي تتصل بالانتخابات ولكن الموضوع السياسي بقي عالقاً، ولكن من دون تناول علني من قبل حركة حماس ما يعني أن ثمة احتمالين، فإما أن الحركة ستتجاوز الخلاف السياسي من دون التخلي عن موقفها المعروف، وإما أن هذا الخلاف سينشب مرة أخرى ليشكل عقبة أمام المصالحة.
أما حول الأسباب التي دعت حماس لإزالة الخلاف بشأن آلية الانتخابات فإنني أعتقد أن ذلك يعود لسببين أيضاً.
السبب الأول، أن الحركة لا تريد أن تضع نفسها أمام الشعب الفلسطيني والدول المساهمة في اتجاه التشجيع على الحوار والمصالحة، باعتبارها المسؤولة عن إفشال جهود المصالحة.
السبب الثاني، أن ثمة تقدير موقف يقول إن السلطة مضطرة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، كجزء من استحقاقات المرحلة القادمة، التي تشير إلى إمكانية تغيير الموقف والدور الأميركي إزاء المفاوضات على أساس رؤية الدولتين.
هذا يعني أن الانتخابات ستتم على الأرجح خلال هذا العام، ولذلك فإن حركة حماس لا ترغب في أن تجد نفسها معزولة، وتتعرض لضغوط إقليمية وربما دولية فضلاً عن أنها بحاجة إلى أن تكون جزءاً من صياغة الشرعيات الفلسطينية.
ثمة من يتساءل عن إمكانية اعتراض حماس على الأساس السياسي والبرنامج الذي ستنتظم على أساسه الانتخابات.
وبرأينا أن حركة حماس سبق لها أن تجاوزت هذه القضية حين شاركت في انتخابات العام 2006، وفي ظل استمرار التزام السلطة، باتفاقية أوسلو، بكل ما فيها، ثم إن الحكومة التي تشكلت بعد ذلك برئاسة هنية، قامت على أساس برنامج سياسي توافقت حوله الأطراف الفلسطينية.
بمعنى أن ثمة إمكانية دائماً للوصول إلى توافقات سياسية عامة قابلة للتفسير كل بحسب رؤيته، ومن دون أن يتخلى أي طرف أو فصيل عن برنامجه أو رؤيته السياسية.
وإذا كانت حركتا فتح وحماس، قد أكثرتا من الحديث عن إيجابية الأجواء إثر لقاءات اسطنبول، والقاهرة، غير أنهما، أو أياً منهما لم يقدم تفاصيل تلك اللقاءات، بمعنى أين اتفق الطرفان وأين اختلفا باستثناء الملف السياسي وملف الانتخابات.
الكرة الآن في ملعب الرئيس عباس وحركة فتح، حيث من المنتظر أن يصدر الرئيس مراسيم إجراء الانتخابات، وأن تتم دعوة فصائل العمل الوطني الأخرى، لوضع اللمسات المطلوبة وليس الأخيرة على بدء تحرك قطار المصالحة الوطنية.
في الواقع فإن اتفاق الحركتين الكبيرتين، لا يترك مجالاً واسعاً أمام بقية الفصائل لتعطيل المسيرة، ولا يبقى لها سوى تسجيل تحفظات، أو إعادة تظهير مواقفها المعتادة، دون أن يصل ذلك إلى مستوى تعطيل نتائج الحوار بين فتح وحماس.
غير أن ذلك لا يعني أن الحوار بين الحركتين سيتوقف عند حدود الرسالة الحمساوية، والاستجابة لها من قبل حركة فتح، فثمة حوار واتفاق مطلوب حول الأجهزة التنفيذية والقضائية التي ستشرف على الانتخابات في ظل استمرار الانقسام، وثمة أيضاً الرزنامة الزمنية لإجراء الانتخابات الثلاثة.
رئيس لجنة الانتخابات المركزية الدكتور حنا ناصر، صرح بأن اللجنة ستكون جاهزة فنياً لإجراء الانتخابات بعد أربعة أشهر من صدور المراسيم الرئاسية. هذا يعني أن الرزنامة الزمنية لإجراء كافة الانتخابات ستتجاوز الأشهر الستة التي يجري الحديث عنها، في ضوء محدودية الوقت المتاح بعد ظهور نتائج الانتخابات في محطتها الأولى وهي التشريعية.
هناك من عاد ليتحدث عن الانتخابات في القدس كعقبة حيث لن تسمح إسرائيل بإجراء أي انتخابات فلسطينية في القدس، الموضوع سياسي ومهم ولكن لا يمكن إخضاع ملف الانتخابات لهذا المحدد السياسي، فالصراع حول القدس يطول ويطول، ولذلك يمكن تجاوز هذه العقبة من خلال الوسائل التكنولوجية والآن هل يعني إجراء الانتخابات بمحطاتها الثلاث، أن المصالحة قد تمت وأن الفلسطينيين استعادوا وحدتهم، أم إن الانتخابات إذا جرت بسلاسة فإنها ستكون مجرد فتح الباب أمام إمكانية استعادة الوحدة ما يتطلب وقتاً وجملة من التوافقات الإجرائية الصعبة.
أخيراً فإن الأساس في إمكانية تحرك قطار المصالحة ابتداءً من الانتخابات سيظل مرهوناً بالإرادة الفلسطينية، قبل الحديث عن أي ضمانات أخرى سواء كانت عربية أو مختلطة بين عربية وأجنبية.