بقلم : سليمان جودة
لابد أن الكاتب الفنان لينين الرملى قد أمضى العام الأخير من حياته يتألم مرتين: مرة من أوجاع المرض الذى راح هو يقاومه بشجاعة، وأخرى من حال المسرح الذى أطفأ أنواره.. إلا قليلاً!
أقول عنه إنه الكاتب الفنان، لأن الكاتب فيه قد جعله يكتب عشرات الأعمال للمسرح والسينما، فنجحت كلها على المستوى الجماهيرى نجاحاً لافتاً، ولأن الفنان فيه قد هيأه لاختيار زوايا فى موضوعاته لا يختارها فى العادة إلا الكاتب الذى يخاطب رأس المتفرج!
وحين اختار المخرج عمرو حسان إعادة عرض مسرحية «الحادثة» على مسرح الغد فى العجوزة، قبل عام ونصف العام من الآن، فإنه كان فى الحقيقة يدعو كل متفرج إلى الذهاب، لا ليرى العرض فى حد ذاته.. فهذا أمر مفروغ منه.. ولكن ليرى من خلاله كيف كان الرملى فى هذه المسرحية، كما فى باقى أعماله، هو الكاتب الفنان الذى إذا كتب أقام مسرحيته على فكرة ساطعة فى الأساس!
فيها تستيقظ البطلة من النوم لتكتشف أنها مخطوفة، وأن خاطفها يقايضها بصراحة، وأنه يعرض عليها أن يوفر لها مكاناً تسكنه، وطعاماً تأكله، وجلباباً تلبسه، على أن يكون المقابل أن تطيع وتستسلم فلا تقاومه فيما يريده لها، وأن تمشى فى حياتها على ما يفكر، ويخطط، ويقرر.. ولا تناقش!
ولم تقبل بالمقايضة رغم كل محاولاته، وكان الخاطف كلما عاد يقدم عرضه لها من جديد، وكلما راح يزينه فى عينيها، ازدادت هى رفضاً، ومقاومة، وابتعاداً عن مجرد القبول!
وأذكر أن الفنانة ياسمين سمير قد لعبت دور المخطوفة ببراعة، بالضبط كما لعب الفنان مصطفى منصور دور الخاطف بمهارة ظاهرة!
ولأن مسرح الرملى كان مسرحاً للفكرة قبل أن يكون مسرحاً للفُرجة، فإن عرضاً مثل «الحادثة» كان فى حاجة إلى متفرج يفكر فيه، ليصل فى نهايته إلى ما يريد المؤلف فى الحقيقة أن يقول.. تماماً كما كان الأمر فى مسرحيته «اضحك لما تموت»، التى عرضها المسرح القومى قبل «الحادثة» بشهور.. هناك رأيت الرملى برفقة زوجته الكاتبة الأستاذة فاطمة المعدول، وابنهما الذى كان الرجل يتساند عليه.. ولكن علامات الإرهاق التى كانت بادية على وجهه لكل عين، لم تمنعه من المجىء متسانداً ليعاين بعينيه، كيف يستقبل الجمهور كلمات كتبها راجياً أن يخرج المتفرج من العرض مختلفاً عما كان عليه قبل أن يشاهده!
كانت الفكرة الأعم فى الحادثة أن المخطوفة هى مصر، وأن كل محاولات اختطافها تاريخياً قد باءت بالفشل، وأن آخر مرة تخلصت فيها من خاطفها كانت فى يوليو ٢٠١٣، عندما لم يفهم الإخوان أن نظام المقايضة لا يصلح معها، لأنها أكبر من أن تقايض على نفسها!
يرحم الله الرجل.. ويعوض الله على المسرح!.