بقلم :سليمان جودة
قمة الاتحاد الإفريقى، التى أنهت أعمالها فى إثيوبيا أمس، كانت هى القمة الثالثة والثلاثين فى تاريخ الاتحاد، ولكن القمة التاسعة والعشرين، التى انعقدت ٢٠١٦، سوف تبقى فريدة من نوعها بين باقى القمم، وسوف يكون سبب ذلك أنها طرحت فى ذلك العام ما لم تطرحه قمة قبلها، وما لم تتمكن قمة بعدها من تحقيقه!.
فقبل أربع سنوات بدت تلك القمة وكأنها تطير بجناحين، عندما وعدت المواطنين الأفارقة بالعمل على إصدار جواز سفر إفريقى!.. وهى لم تقدم الوعد فى حينه وفقط، ولكنها حددت القمة الثالثة والثلاثين التى أنهت أعمالها بالكاد، لإنجاز الجواز الجديد وإخراجه مطبوعاً إلى النور!.
والهدف بالطبع هو أن يتمكن المواطن فى القارة السمراء من السفر فى أنحائها دون الحاجة إلى تأشيرة، وأن يكون فى مقدور كل شاب إفريقى أن يتجول فى أرجاء القارة، بغير أن يكون مضطراً إلى الحصول على تأشيرة تحمله عبر الحدود!
وهو حلم لا شك.. ولا بد أن الاتحاد، وهو يحلم على هذه الصورة، كان يتطلع إلى الاتحاد الأوروبى على الجانب الآخر من البحر المتوسط فى اتجاه الشمال، وكان يرى أن دول أوروبا إذا كانت قد نجحت فى اتخاذ مثل هذه الخطوة، أو فيما يشبهها، فالدول الإفريقية تستطيع إذا أرادت!.
وهذا صحيح تماماً من الناحية النظرية، ولكنه يقفز فوق حقائق كثيرة لا يجوز القفز فوقها، وهى حقائق ليس أولها أن الاتحاد الأوروبى لم يولد بين يوم وليلة، وإنما أخذ وقته الطبيعى واستغرقه، ولا آخرها أنه بدأ اتحاداً للصلب بين عواصم أوروبا، ثم تطور إلى سوق أوروبية مشتركة لا نزال نذكر أيامها، ثم نضج فى النهاية اتحاداً أوروبياً كامل النمو!.
وكأنه كائن حى راح يمر فى مراحل العمر المختلفة، التى لا يمكن اختصار مرحلة منها، ولا اختزال واحدة منها فى أخرى!
ولا أحد يعرف كم قمة سوف يعقدها الاتحاد الإفريقى فى المستقبل، ليحقق ذلك الحلم الذى يراود أفارقة كثيرين بالتأكيد، ولكن الذى نعرفه أن الاتحاد الأوروبى بمواصفاته الحالية كان حلماً ذات يوم، ونعرف أن كل مواطن أوروبى عاش يتخيل اليوم الذى يتمكن فيه من التجوال فى دول القارة كلها، دون قيود أو عوائق بين الدول، وقد جاءه هذا اليوم وأصبح يعيشه بالفعل!.
وكانت البداية أن عواصم القارة الأوروبية التى يحلو للبعض أن يسميها القارة العجوز قد «أرادت».. وفى الحروف الخمسة لهذا الفعل الأخير يكمن السر كله.. وحين ترأست القاهرة الاتحاد على مدار سنة انقضت، أمس الأول، فإنها بعثت فى أوصاله نوعاً من الحياة، وربما تكون هذه هى البداية إلى تحقيق الحلم.. ربما!.