بقلم: سليمان جودة
كان العاشر من رمضان فرصة متجددة يعود فيها المصريون إلى سماع الأغانى الوطنية التى رافقت تحقيق النصر الكبير فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣!.ففى ذلك الوقت، غنّى كل مواطن مع العندليب عبدالحليم حافظ: «عاش اللى قال».. ومع شريفة فاضل: «أنا أم البطل».. ومع شهر زاد: «وغنينا وعدينا».. ومع المجموعة: «بسم الله».. ومع وردة: «على الربابة».. إلى آخر هذه الألحان الذهبية الرفيعة التى ما إن تتناهى إلى سمعك حتى تكتشف أنها تستغرقك بالكامل، وحتى يتبين لك أنها تنقلك فى لحظة إلى أجواء النصر المجيد!.
ولا تعرف لماذا فى كل مرة تُنصت فيها إلى واحدة من هذه الأغنيات تشعر وكأن الحرب تدور الآن، ثم وكأن النصر يتحقق فى هذه اللحظة، لا قبل خمسين عامًا هجرية مضت، ثم أيضًا وكأن عبور قناة السويس من ضفتها الغربية إلى الضفة الشرقية على يد قواتنا الباسلة يتم أمام أعيننا فى لحظتنا الحالية ونراه؟!.. لا تعرف.. ولكنها بالنسبة لى حقيقة أعيشها فى كل مرة من هذه المرات!.
أما اللقطات المتفرقة من خطابات الرئيس السادات، فهى دَرْس مرئى فى فن الإلقاء كيف يكون، ودرس فى العظمة كيف تتجسد فى رجل!.
وفى القلب من هذا كله سوف يكون عليك أن تتوقف أمام مشاهد النصر والحرب، التى كان التليفزيون وقتها ينقلها للناس، والتى لانزال نعود لنراها من جديد كلما أطلت علينا ذكرى السادس من أكتوبر فى موعدها على صفحة هذا الشهر بين الشهور، وكلما أظلتنا ذكرى العاشر من رمضان فى موقعها من الشهر الكريم!.
سوف يكون عليك أن تتوقف أمام تلك المشاهد فلا تجعلها تمر أمامك عابرة.. وعندها سترى أن وراء المشاهد كلها «روحًا» كانت هى التى تميز الجميع وتشملهم، سواء كانوا جنودًا شجعانًا على جبهة القتال، أو كانوا مواطنين عاديين من آحاد الناس يمرون فى الشارع عابرين!.. ولأنها روح كانت فى داخل كل جندى فى موقعه من المعركة، ولأنها روح كانت فى أعماق كل مصرى فى مكانه فى البلد.. فأنت تستطيع أن تراها بقلبك لا بعينك.. بوجدانك الحى لا بنظرك الذى يتطلع من حوله فى الأشياء!.
ومن الممكن أن تتوقف أمام أنواع السلاح التى امتلكناها قبل الحرب، وكانت أداةً فى أيدينا لإنجاز النصر المؤزر.. من الممكن أن تتوقف أمام أنواع السلاح.. ولكن السلاح أيًا كان نوعه وقتها، كان وراءه «إنسان» فوق جبهات المواجهة كلها أيًا كانت خريطتها على الحدود أو وراءها.. هذا الإنسان الممتلئ بالحماسة والقوة والإيمان هو الذى صنع النصر.
وهذا الإنسان وحده هو الذى لابد أن يكون محل انشغال صانع القرار فى الدولة هذه الأيام.. فالنصر لا يكون على جبهات القتال وحدها، وإنما يكون أيضًا فى مسارات السباق بين الأمم!.. الإنسان ولا شىء غير الإنسان هو الأساس فى معارك العصر التى لا بديل عن أن نرجع منها بما رجعنا به فى معركة النصر!.