بقلم: سليمان جودة
ما أبعد المسافة بين ديڤيد فريدمان، السفير الأمريكى السابق فى تل أبيب، وبين توماس نايدز، السفير الحالى فى العاصمة الإسرائيلية نفسها!.كان ديڤيد فريدمان موجودًا فى عاصمة الدولة العبرية وقت وجود إدارة دونالد ترامب فى البيت الأبيض، وكان يردد كلامًا غاية فى الصفاقة والبجاحة، وكان مما يردده أنه سينتقل للإقامة فى القدس حتى ولو لم تنقل إدارة بلاده سفارتها إليها!.
كان يردد هذا الكلام غير المسؤول قبل أن تقرر واشنطن نقل سفارتها إلى القدس، وكان يزايد على إدارة ترامب نفسها، وكان فوق هذا وذاك يستفز مشاعر كل إنسان، فضلًا عن أن يكون هذا الإنسان فلسطينيًّا أو عربيًّا، أو يكون أجنبيًّا متعاطفًا مع القضية الأم فى المنطقة.. قضية فلسطين!.
ولكن المسافة بين فريدمان وتوماس نايدز هى كالفارق بين السماء والأرض، لأن الثانى حريص منذ جاء خلفًا للأول على أن يعلن تمسكه بعدم زيارة المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.. وعندما تكلم الأربعاء ١٦ مارس أمام حركة «السلام الآن» فى تل أبيب وصف سياسة الاستمرار فى بناء هذه المستوطنات بأنها «سياسة غبية» وقال إن مواصلة بنائها تعطل أى تسوية بين الطرفين المتصارعين فى الأراضى المحتلة!.
وعندما نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية جانبًا من كلامه، فإنها نقلت معه كلامًا صدر عن حركة «صوت يهودى من أجل السلام» الأمريكية تقول فيه إنها نجحت فى وقف زيارات سياحية بيئية إلى إسرائيل، بسبب مواقفها ضد الفلسطينيين!.
ولا بد أن هذه الأصوات العاقلة من نوعية توماس نايدز فى أشد الحاجة إلى الاهتمام بها وبمواقفها من جانبنا هنا فى المنطقة، فهى أصوات تنحاز إلى المبادئ، وإلى الأخلاق، وإلى قواعد القانون الدولى الثابتة.. وهذا انحياز صعب على صاحبه، وبالتالى فعلينا أن نقف إلى جواره وأن نسانده، حتى لا يأتى عليه وقت يشعر فيه بأنه يقف وحيدًا وبمفرده!.كلا الرجلين سفير لبلد واحد فى عاصمة واحدة.. ولكن.. ما أقوى الحس الإنسانى لدى نايدز، وما أضعف الحس نفسه لدى فريدمان!.