بقلم - سليمان جودة
كان الدكتور يوسف إدريس يقول عما يكتبه، أو يخرج به على الناس: أنا لا أقول كل الحقيقة، ولكن كل ما أقوله حقيقة.
وهذا بالضبط ما سوف تجده فى مذكرات المهندس صلاح دياب، التى صدرت عن الدار المصرية اللبنانية تحت هذا العنوان: مذكرات صلاح دياب.. هذا أنا.
ذات يوم كان صاحب المذكرات فى لندن، وكان الملك حسين هناك، فلما جمعت الصدفة بينهما على باب الفندق اتجه المهندس صلاح إليه يصافحه وهو يقول: إنك من أحكم القادة العرب. وقد رد الملك التحية بأحسن منها فقال: أما أنت فمن أكبر التلقائيين العرب!.
ولم يجد صلاح دياب عبارة تصفه كما هو على طبيعته، بقدر ما وجد فى عبارة الملك، فالتلقائية تميزه فى حياته، وإذا حاول التخلى عنها أو التخفف منها فإنه لا يستطيع، لا لشىء، إلا لأنها جزء من الطبيعة فيه، وقد عشنا نعرف أن الطبع يغالب التطبع ويغلبه فى النهاية. وسوف تجد التلقائية غالبة فى المذكرات التى تسرد سبع قصص نجاح لصاحبها لا قصة واحدة. فهو قد اشتغل سبعة أعمال فى حياته، وكان ناجحا فيها كلها، وكان وهو ينجح فى كل عمل منها يُثبت خطأ المثل الذى يقول: سبع صنايع والبخت ضايع.
أما الأعمال السبعة فهى: حلوانى، مقاول خدمات بترول، منتج بترول، مُزارع، مطور عقارى، كاتب رأى، ناشر.
ورغم أنها أعمال لا جامع بينها، ورغم أنها تبدو كأنها لا علاقة بين بعضها البعض، إلا أن نجاحه فى أى عمل منها لم يكن يقل عن الآخر، وكان السبب أنه يؤمن بأنه إذا عمل عملا فلا بد أن يكون الأول فيه لا الثانى، وهو يحقق ذلك بمعادلة بسيطة وعميقة معا، المعادلة تقول: إذا لم أكن أجيد الشىء الذى أريد أن أعمله، فليس أقل من أن أستعين بالذى يجيده. وتكون النتيجة أن الإجادة تصبح مضروبة فى اثنين: إجادته هو فى صياغة هذا التصور للوصول إلى النجاح، ثم إجادة الذى استدعاه ممن يجيدون العمل ويتفوقون فيه.
وإذا شئت مفتاحا للمذكرات وصاحبها، فالمفتاح هو عبارة لأديب فرنسا ألبير كامو الذى يقول: أن تكون مختلفا عن الآخرين، فهذا ليس جيدا ولا سيئا، بل يعنى فقط أن لديك من الشجاعة لتكون على طبيعتك.
العبارة أخذها صلاح دياب وجعل منها ما يشبه الإهداء فى صدر المذكرات، وعندما تصل إلى الصفحة الأخيرة سوف تجد أنها عبارة قد لخصت كل الصفحات، وأن الرجل الذى كتب مستعيرا اسم نيوتن ذات يوم، لم يكن يتصنع الأفكار الجديدة التى قدمها للمجتمع ولا كان يستوردها، ولكنه فقط كان يمتلك الشجاعة التى تجعله على طبيعته، ولم يكن يستطيع إلا أن يكون عليها، ولذلك كان وسيبقى مختلفا بالمعنى الذى قصده أديب فرنسا الشهير. وليست المذكرات سوى هدية مجانية لمن يبحث عن سبيل إلى النجاح، ولا فرق بين أن يكون الباحث فردا أو أن يكون دولة.