بقلم: سليمان جودة
لا أجد فى هذه الأيام ما هو أكرم من موقف السيدة انتصار السيسى تجاه الأم التى فقدت أبناءها الثلاثة فى حادث سير بعد الإفطار!.
ولابد أنه موقف إنسانى رفيع تجاه أم كافحت طويلًا مع زوجها لإرسال الأبناء الثلاثة إلى كليات الطب، ولكنهم فى لحظة غابوا عنها جميعًا.. غابوا بينما كانوا عائدين من الجامعة لقضاء العيد مع الأسرة!.. وقد كانت السيدة الأولى تتحدث بلسان كل مصرى عندما قالت فى اتصالها بالأم، السيدة دعاء الشحات، إنها لا تجد من الكلمات ما يسعفها فى التعبير عن الحزن الذى غمر الجميع وهُم يقرأون عن الحادث، ثم وهُم يتابعون تفاصيله الموجعة من أول شمال سيناء، حيث كان طريق العودة للأولاد الثلاثة، إلى إحدى قرى مركز كفر سعد فى دمياط، حيث اتّشحت القرية بالسواد من أولها إلى آخرها!.
كان الأب يتصل بالأبناء فى طريق العودة، وكان يعاود الاتصال بهم من جديد كلما أحس بأنهم يقتربون، وكان ينتظر ويستعد ويتهيأ، وكان يخبرهم بأن أمهم تجهز لهم ما سوف يأكلونه عند الوصول، وكانت الأم تروح وتجىء فى فرح، وحين جاءها الخبر سقطت فى مكانها لا تعى ما حولها!.
والذين طالعوا صور الأطباء الشبان الثلاثة منشورة فى كل مكان لاحظوا أنهم كانوا ممتلئين بالإقبال على الحياة، ولاحظوا أن عيونهم كانت تفيض بكل معانى البهجة والسرور، ولكنهم يرحمهم الله لم يكونوا يعرفون أن القدر كان يتربص بهم على جانب الطريق!.
لم يكونوا يعرفون أن أمهم الصابرة ستكون خنساء العصر.. فالخنساء التى نعرفها عاشت فى القرن الأول من الهجرة النبوية الشريفة، وكان اسمها تماضر بنت عمرو، ولكنها اشتهرت بـ«الخنساء»، وكانت فى زمانها قد فقدت أبناءها الأربعة فى الحرب، ثم فقدت أخاها «صخرًا»، وقد عاشت من بعدهم تقول فيهم من أشعار الرثاء ما عجزت عن أن تقوله أى امرأة سواها!.
ومما قالته فى أخيها «صخر» هذا البيت من الشعر:
فلا والله لا أنساك حتى
ألقاك.. أو يُشق رمسى
أما رمسها فهو قبرها.. وأما السيدة دعاء الشحات فحالها من حال تماضر بنت عمرو، وكلتاهما مثال فى الصبر والوجع، ولا شك أن الموقف المبادر من السيدة الأولى جاء فى وقته، وفى مكانه، ومع أهله، ولا شك أنه لفتة إنسانية عالية إزاء أم مصرية ليست فيما أصابها ككل الأمهات!.