بقلم: سليمان جودة
فى كتابه «شهادتى»، يروى السفير أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، واقعة محددة كان هو طرفًا مباشرًا فيها، وكانت هى ولا تزال صالحة لأن نقرأها من أكثر من زاوية!.. ولأنها كذلك، فإننا نستطيع أن نضع العملية الإرهابية الأخيرة فى سيناء ضمن الإطار العام الذى تقع فيه تلك الواقعة!.
كان «أبوالغيط» فى بدء عمله وزيرًا للخارجية، وكان قد ذهب فى رحلة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بعد عودته قد ذهب إلى قصر الاتحادية يقدم للرئيس مبارك تقريرًا عن الزيارة!.
سمع مبارك من وزير خارجيته تفاصيل الرحلة إلى واشنطن، وقام الوزير منصرفًا بعد انتهاء المقابلة، ولكن الرئيس قام معه إلى باب القاعة يودعه، وفى الطريق إلى الباب وقف يهمس ويقول: أشعر بأن الأمريكان يعملون لإبعادى عن الحكم!.
كان ذلك فى ٢٠٠٤، والمؤكد أن رئيس الجمهورية وقتها لم يكن يخمن، ولا كان يقرأ الفنجان، ولكنه كان يقول ما همس به لوزير خارجيته بناء على معلومات توفرت لديه من مصادرها.. وعندما حدث ما حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١، وعندما سمعنا ما قاله وقتها الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، مخاطبًا مبارك، تبين لنا أن رأس الدولة المصرية لم يكن يقول أى كلام، وهو يودع وزير الخارجية عند الباب!.
فإذا استعرضنا أمام أعيننا فى هذه اللحظة ما جرى على طول المسافة الزمنية من ٢٠١١ إلى لحظة وقوع عملية غرب سيناء قبل أربعة أيام، اتضح لنا أن الهدف لم يكن إقصاء مبارك فى حد ذاته، ولكن الهدف كان أن يأتى فى مكانه تيار سياسى معين ليحكم، وكان مجىء هذا التيار هو ما حدث بالفعل فى ٢٠١٢!.
وإذا ألقينا نظرة على المشهد فى مجمله بامتداد المسافة الزمنية نفسها سوف يتبين لنا أن الهدف كان أبعد من مجرد إبعاد مبارك، وكان أبعد أيضًا من مجرد مجىء الإخوان إلى الحكم.. إبعاد الرئيس الأسبق كان هدفًا، ولكنه لم يكن الهدف الأخير، والإتيان بتيار الإسلام السياسى الى مقاعد السلطة كان هدفًا فى الوقت نفسه، ولكنه لم يكن الهدف الأبعد!.
كان الهدف الأبعد هو كيان هذه الدولة.. وحين تضع العملية الأخيرة فى سيناء إلى جوار ما سبقها من عمليات مماثلة فى مربع واحد فسوف ترى أن هذا هو الهدف الذى يعمل عليه مُخطِّطون ومُموِّلون ومُنفِّذون على المدى الطويل.. ولن يقطع عليهم الطريق اليوم، كما قطع الطريق عليهم بالأمس، وكما سيقطعه عليهم فى الغد، إلا وطنية الجيش وإلا وعى الشعب!.