بقلم: سليمان جودة
أطلق طاقم المستشفى فى مدينة حلب اسم «آية» على الرضيعة التى خرجت ناجية من بين أنقاض الزلزال، بينما وضعتها أمها وماتت فى الحال.
وقد بحثوا عن أسرة آية فى المكان، فلم يعثروا لأحد منهم على أثر، وتبين أن الزلزال، الذى ضرب تركيا وسوريا كما لم يضربهما زلزال من قبل، قد ابتلع والدها وأشقاءها، ومعهم والدتها، التى لحقت بهم بعد لحظات من الولادة.
وإذا كان طاقم المستشفى يتحدث عن التعافى الملحوظ فى صحة آية، فسوف تعيش مختلفة عن كل بنت تحمل اسمها بين سائر البنات.
هى آية حقيقية فى حد ذاتها، وهى اسم على مسمى لأن الركام الذى خرجت من بين أنقاضه يستحيل أن يخرج منه كائن وهو حى، فضلًا عن أن يكون هذا الكائن رضيعة جاءت فى اللحظة.. ولكن المستحيلات ليست كذلك على خالق الأرض والسماء، وما هو مستحيل على البشر ليس مستحيلًا على خالق البشر.
ومن هذه الرضيعة الآية بكل معنى الكلمة، نذهب إلى حديث القرآن الكريم عن الآيات، ففى سورة الإسراء نقرأ فى آخر الآية رقم ٥٩ من آيات السورة ما يقول: «وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا».
وفى الآية التالية لها نقرأ ما يلى: «ونُخوِّفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا».
إن الزلازل والبراكين آية من آيات الله، وإذا كانت زلازل الأرض وبراكينها ظاهرة جيولوجية بلغة علماء الجيولوجيا، فهى ظاهرة إيمانية بالمعنى الوارد فى كتاب الله، وما نفهمه من الآية الأولى أن السماء لا ترسل الزلازل بهدف وقوع زلزال فى حد ذاته، وإنما لتخويف الناس لعلهم يرتدعون عما يمارسون ويفعلون على ظهر الكوكب.
ولكن الآية الثانية تقول إن كل الآيات التى أرسلها الله لم تكن كافية لأن يرتدع الناس، ولا كانت تبتعد بهم عما عاشوا يمارسونه من أفعال إجرامية، ولا كانت تردهم عن الطغيان.. بل كان العكس هو الحاصل.. وإلا فما معنى أن يقول القرآن: «ونُخوِّفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا».
ولكننا فى حالة الرضيعة السورية نجد أنفسنا أمام آية من نوع فريد لأن الزلزال الذى هو آية مكتملة، قد أخرج آية أخرى من باطنه، والآية الأخرى هى هذه الرضيعة التى جاءت الدنيا من تحت أنقاض فى حجم جبل، والتى رأت النور مجردة من كل أحد ومن كل شىء إلا من الحياة.
صحيح أن أمها هى التى ولدتها بالمعنى المباشر كما تلد كل أم ابنتها، ولكن آية الزلزال قد ولدت من داخلها هذه الآية الرضيعة، وكأن الآيتين المتداخلتين تقولان ما لا تستطيعه الكلمات.. فسبحان الله.