بقلم: سليمان جودة
فى يوم واحد كان الدكتور مصطفى مدبولى فى الدوحة، وكان الوزير سامح شكرى فى دمشق ثم فى أنقرة، وكان الشىء المشترك بين الزيارتين أن هذه كانت المرة الأولى من عشر سنوات، التى يقوم فيها مسؤولان مصريان على هذا المستوى بزيارة إلى العواصم الثلاث.
والظاهر أمامنا أن الدوحة طوت صفحة قديمة فى علاقتها مع القاهرة، وأن لدى الطرفين رغبة واضحة فى نقل مسار العلاقات من مربع كانت علاقتنا فيه على غير ما يُرام، إلى مربع آخر تنتعش فيه الآمال العريضة على الجانبين.. وأهم ما فى العلاقة الجديدة بين مصر وقطر أنها تدرجت من مرحلة كانت تقف فيها وتتجمد عندها، إلى مرحلة أخرى صارت متقدمة عليها، وأنها لم تكن متسرعة فى قطع الخطوات بين المرحلتين، وأنها بالتالى كانت خطوات محسوبة بشكل جيد مقدمًا.
وما يقال عن العلاقة مع الدوحة، يقال بالدرجة نفسها عن العلاقة مع تركيا، التى ساءت الأمور معها فى وقت من الأوقات إلى حد لا بد أننا نذكره.. وفى طريق عودتها مرت بالتدرج ذاته الذى مرت به العلاقات العائدة مع العاصمة القطرية.
وعندما كان شكرى فى أنقرة، قيل كلام من بعيد خلال لقائه مع نظيره التركى، عن لقاء قريب قد ينعقد بين الرئيس السيسى والرئيس أردوغان.. وهذا لقاء لا بد أن عوامل كثيرة تحكمه قبل انعقاده.. ولكن الشىء اللافت أن الرئيس التركى لم يستقبل وزير خارجيتنا.. فما السبب؟!
لقد استقبل الشيخ تميم، أمير دولة قطر، الدكتور مصطفى مدبولى، وكان ذلك فى العاصمة القطرية، واستقبل الرئيس بشار الأسد، الوزير سامح شكرى فى العاصمة السورية.. ولم يحدث هذا فى العاصمة التركية فأثار التساؤلات!
وإذا كانت هناك أسباب نعرفها أدت إلى ما كان بيننا وبين قطر وتركيا طوال السنوات الماضية، فلا شىء فى الحقيقة يبرر هذه القطيعة الطويلة مع سوريا، ولا شىء أيضًا يجب أن يعطل عودة ما بيننا وبينها إلى طبيعته التى كان عليها.
وقد تمنيت لو أن شكرى تحدث عما هو «سياسى» فى زيارته سوريا، ولكنه كان يتكلم طول الوقت عما هو «إنسانى» فى الزيارة.. وكان ذلك واضحًا بشكل لافت.. فما السبب أيضًا؟!.. صحيح أن ما أصاب السوريين من جراء الزلزال الأخير كان سببًا مباشرًا للزيارة، ولكن الزلازل السياسية أشد فى تداعياتها أحيانًا من زلازل الطبيعة، وقد رأينا ذلك فى تداعيات ما يُسمى بالربيع العربى.. رأينا ولا نزال نرى أن زلزال الطبيعة ضرب أجزاء من سوريا، ولكن زلزال «الربيع» ضربها كلها ولا يزال يضربها.