بقلم: سليمان جودة
لا تزال الخنساء أشهر شاعرات العرب، ولا يزال بيت الشعر الذى قالته فى رثاء أخيها صخر أشهر بيت شعرى قيل فى رثاء رجل.
كان اسمها الحقيقى تماضر بنت عمرو، ولكنها اشتهرت بين الناس بـ«الخنساء» بسبب ارتفاع أرنبة أنفها، وقد عاشت فى الجاهلية والإسلام معًا، وأسلمت فى السنة الثامنة من الهجرة، وقدمت أبناءها الأربعة شهداء فى معركة القادسية!.
ورغم أنها قالت فيهم الكثير بعد أن جاءها نبأ استشهادهم، ورغم أنها قالت ما هو أكثر فى أخيها الآخر معاوية بعد موته، إلا أن بيت الشعر الذى قالته فى صخر قد ذهب بالمجد كله، ولا نزال نذكره على أنه الرثاء الذى لا مثيل له من امرأة شاعرة فى أخيها الشجاع. لقد عاشت تقول فى صخر: فلا والله لا أنساك.. حتى ألقاك أو يُشَقَّ رمسى. والمعنى أنها ستظل تذكره حتى تلقاه أو يشقوا لها قبرها!.
وتتحدث الضفة الغربية المحتلة هذه الأيام عن الخنساء الفلسطينية، وهى امرأة من نساء فلسطين تقود المظاهرات فى الضفة ضد ظلم وقمع الإسرائيليين.
اسمها لطيفة أبوحميد، ولكن الفلسطينيين أطلقوا عليها لقب «خنساء فلسطين» لأنها فقدت ابنها «عبدالمنعم» فى مواجهات مع قوات الاحتلال، وقد بكَتْه طويلًا كما بكت خنساء العرب أخويها وأبناءها الأربعة، وما كادت خنساء فلسطين تفيق من حزنها على «عبدالمنعم» حتى أخبروها باستشهاد ابنها «ناصر»، الذى بقى مريضًا لمدة سنة فى سجون الاحتلال.
أما حكاية «عبدالمنعم»، وأما حكاية شقيقه «ناصر»، وأما حكاية أمهما نفسها، فهى دليل جديد يُضاف إلى أدلة أخرى سبقته على حقيقة ما يواجهه الفلسطينيون فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، لا لشىء، إلا لأنهم يريدون دولة على أرض الآباء والأجداد.
يواجهون ما نتابعه كل يوم، رغم أنهم وصلوا إلى وضع سياسى لا ينكرون على إسرائيل فيه أنها دولة قائمة، ويطلبون فى المقابل دولة لهم إلى جوار الدولة العبرية تكون مستقلة، وتكون ذات سيادة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية.. يطلبون هذا، ويصممون عليه، ويتمسكون به، ولا يرون له بديلًا، ويعيشون على أمل أن تجد قضيتهم العادلة آذانًا صاغية لدى ما يسمى «المجتمع الدولى».
كان الله فى عون خنساء فلسطين، وكان الله فى عون قضية بلادها العادلة، فلا أمل سوى فى عدالة السماء، بعد أن غابت عن الفلسطينيين عدالة الأرض.