بقلم : جورج شاهين
توقف المراقبون باهتمام امام مضمون تغريدة المنسق الاممي في لبنان يان كوبيتش، الذي تساءل عما اذا كانت «الإدارة الجديدة في واشنطن ستحرك الأطراف أخيراً لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري؟»، خصوصاً انها أعقبت توصيفاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري اعتبر فيه انّ لبنان يقع تحت «عقوبات وحصار معلن» نتيجة تمسّكه بالمقاومة وسيادته. فهل قصدا تبرئة الداخل من الازمة وإلقاء تبعاتها على الخارج؟
إن توقّف المراقبون عند مضمون تغريدة كوبيتش الاخيرة في توقيتها شكلها ومضمونها لا يمكنهم الفصل بداية بين كل ما جاء فيها وما تحتمله من تأويلات وتزامنها مع نهاية عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودخول الولايات المتحدة الاميركية عصر الرئيس جو بايدن وهو أمر أثار كثيراً من الاستغراب والدهشة في آن لأكثر من سبب.
وانطلاقاً من اعتبار تغريدة كوبيتش «نداء استغاثة» من نيويورك لواشنطن، لا بد من تشريحها في توقيتها وشكلها ومضمونها والتوقف عند بعض الملاحظات، ومنها:
- طالما انّ من السهل بناء اي نقاش حول توقيتها. فكان اكثر منطقياً لو توجّه كوبيتش بندائه هذا الى الإدارة الاميركية قبل دخولها مدار الفترة الانتقالية بين عهدين وما يمكن أن يطرأ من متغيّرات قبل ان تمسك الإدارة الاميركية الجديدة بزمام الأمور. فمنذ وقت طويل ظهرت بوادر الأزمة الحكومية، وخصوصاً انّ مثل هذا الحديث قد تناول تفاصيل كثيرة حول حجم الضغوط والتهديدات الاميركية التي تمنع الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري من تمثيل «حزب الله» في الحكومة بعد سلسلة الملاحظات الفرنسية التي تحدثت عن حكومة حيادية خالية من الحزبيين. هذا عدا عن تلك التي قالت انّ هناك أطرافاً أخرى، ومنها «حزب الله» وايران، لن يقدّما لإدارة ترامب الذي يستعد لمغادرة البيت الابيض اي «هدية حكومية» في لبنان بعدما قدّم لهما أحد طرفي الثنائي الشيعي هدية تمثّلت بالإعلان عن «اتفاق الإطار» لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.
- هذا في التوقيت ومدى ارتباطه بالعوامل الخارجية، ولا سيما منها ما يتصل بالتأثيرات الاميركية على الأزمة الحكومية. امّا في الشكل، فكيف يمكن لممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان ان يُناشد الإدارة الاميركية الجديدة التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية. فهو مَن صالَ وجال طوال الاشهر الماضية التي رافقت الأزمات المختلفة. فمنذ استقالة الرئيس حسان دياب (10 آب الماضي) واعتذار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة السفير مصطفى أديب (26 أيلول الماضي) ومع تكليف الحريري على مختلف المراجع الرسمية والقوى الحزبية ومعها في المنتديات الديبلوماسية منتقداً تَريّث المسؤولين اللبنانيين بعملية التأليف ومستغرباً انتظارهم لِما يُحاك في الأندية الدولية قبل التفكير بالمعطيات الداخلية التي تفرض الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة. وإن نَسي البعض فإنه لا يمكن ان ينسى انه هو الذي حَضّ اللبنانيين في عشرات التغريدات والتصريحات القاسية والمباشرة على الاسراع في الخطى الحكومية قبل فوات الاوان من اجل وقف تناسل وتَعاظم الازمات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والنقدية، وخصوصاً لإعادة اعمار بيروت وما تسبّبت به نكبة مرفأ بيروت (4 آب الماضي). وهو من توجّه في إحدى تغريداته الشهيرة الى اهل السلطة، لائماً ومتسائلاً: «هل نسيتم انكم في لبنان ولستم في واشنطن».
أمّا في المضمون، فإنّ مناشدة كوبيتش الادارة الاميركية الجديدة «تحريك» الأطراف لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري، فهو يعني بكل بساطة انتظاراً إضافياً الى ان تستقر الإدارة الجديدة وتُمسك بزمام ملفاتها الداخلية والخارجية قبل ان تنظر في شق من الازمة اللبنانية ولتتوسّط بين القادة اللبنانيين لتشكيل حكومة الحريري. وهو يعلم قبل غيره من الديبلوماسيين ما بلغته الأزمة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهو بات يطالب علناً باعتذار الحريري عن المهمة اذا بقيَ متمسّكاً بالتشكيلة التي قدمها له في 9 كانون الاول الماضي، او التوجه الى الأخذ في الاعتبار مسلسل ملاحظاته وشروطه التي تنسف التركيبة الحريرية المقترحة من أساسها، إن على مستوى توزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب او الاسماء التي أُسقطت عليها.
وبعيداً من سلة الملاحظات على اهميتها السياسية والديبلوماسية، والتي لا تمسّ من دور كوبيتش وغيرته على لبنان وناسه، وهو الذي فاض بها في اكثر من مناسبة واكتسب محبة اللبنانيين، فإنّ كلامه يمكن التطلّع إليه من زاوية لبنانية مختلفة، فهو في توقيته أعقبَ كلاماً لرئيس مجلس النواب لم يبُح به قبلاً بهذا الوضوح والصراحة، عندما اعتبر في كلمةٍ له في افتتاح المؤتمر البرلماني الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية الذي استضافته طهران تحت عنوان «يوم غزة رمز المقاومة»: «انّ لبنان يرزح في هذه المرحلة تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية هي الاخطر في حياته». ناهيك عن «عقوبات وحصار غير معلن جّراء التزامه بثوابته الوطنية وتمسّكه بعناوين قوته المتمثّلة بالمقاومة وبحقوقه السيادية على أرضه وحدوده وثروته في البر والبحر، ورفضه الرشوات المالِية والاغراءات شرِيطَة التخَلي عن التزاماته تجاه القضية الفلسطينية وتبنّي حقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».
وإن توقّف المراقبون امام توصيف بري للأزمة، فهم يبررون نداء كوبيتش الى الإدارة الاميركية لأنهما قدّما «صَك البراءة» للقادة اللبنانين من تورّطهم في الأزمة القائمة، ويعفيهم من القدرة والمسؤولية عن حلّها. وعليه، فهو يخرجهم جميعاً من دائرة الاهتمام بالملف اللبناني بكامله. وهو ما يبرز دليلاً عن عجز الطاقم السياسي عن إدارة شؤون الدولة من مختلف الجوانب، وهو أمر خطير يستدعي اعترافاً جماعياً برسوبهم في التجربة وبضرورة التنازل ولكن لمصلحة من؟ فهم يُمسكون بمفاصل الدولة الادارية والاقتصادية والمالية والنقدية، وبالأمنية ربما، لو لم تكن هناك قوى عسكرية وأمنية يَقظة تضمن الامن في حده الادنى على رغم ما تُلقيه الازمة المالية والوبائية من ثقل على المؤسسات العسكرية. فهم ينتظرون لقاحاً طال انتظاره لعلهم يمكنهم بعد تلقّيه، بالأولوية قبل بقية اللبنانيين، الاستمرار في القيام بالأدوار الكبرى وبالمهمات المُلقاة على عاتقهم لإخراج البلد من مسلسل المآزق، ولو بالتدرّج. ولكن المشكلة من أين يمكن البدء وقد بلغت اللعبة السياسية أبواباً مسدودة على اكثر من مخرج وعلى مختلف المسارات؟