بقلم : جورج شاهين
عبرت امس الاول السنة الأولى على استقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة، وغداً تعبر السنة الرابعة من عهد الرئيس ميشال عون. وفي المناسبة فقد التقيا في هذه اللحظة ليخوضا معاً تجربة تشكيل الحكومة العتيدة. وان اعتقد البعض انّه يمكن شطب سنة من عمر الحريري، يطرح السؤال ايضاً إن كان ممكناً شطبها من سداسية العهد!؟ فهل ذلك ممكن؟ ولماذا؟
كان لافتاً ان يعود المراقبون اياماً الى الوراء، ليتوقفوا امام ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون في حواره مع الصحافيين المعتمدين في قصر بعبدا، والذي اعقب رسالته غير التقليدية، عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي أُرجئت اسبوعاً (21 تشرين الاول)، في ان يحصي ما فقده من سنوات العهد الأربع السابقة فترة «سنة واربعة عشر يوما» عبرت، من اجل تشكيل حكومتي الحريري السابقتين، قبل ان يضطر الى التعاون مجدداً، بتكليفه «ملزماً» بعد 3 أيام بمهمة تأليف الحكومة الثالثة (24 تشرين الاول)، والرابعة في عهده، بعد احتساب تجربة حكومة حسان دياب وسقوط تجربة مصطفى اديب.
لم تشأ المصادر العليمة ان تتحدث عن الساعات السابقة التي امضاها رئيس الجمهورية قبل توجيه رسالته الاخيرة، او من كلّفه إجراء الإحصاء الدقيق للفترات التي ضاعت من عهده بالأشهر والأيام في الاستشارات التي استهلكها الحريري لتشكيل الحكومتين السابقتين. ولا شاءت هذه المصادر الإشارة الى من قال بضرورة اجراء مثل هذه الجردة في شكلها وتوقيتها ومضمونها، في مثل الظروف التي تمرّ بها البلاد. إلّا انّها لم تكن قادرة على إخفاء ما قاده اليها. فانزعاج رئيس الجمهورية من مسار الاتصالات المجمّدة من اجل تكليف من يشكّل الحكومة، بعد الحَراك المحدود الذي اعقب اعتذار أديب (26 ايلول 2020)، وقبل ان يظهر انّ هناك مرشحاً وحيداً للمهمّة، وهو لا يريد ومعه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عودته الى السرايا الكبيرة. وإذ به يجد نفسه مضطراً الى تكليفه مرة أخرى، بإرادة حلفائه وحلفاء حلفائه، الذين قطعوا الطريق سلفاً على عدد من المرشحين «المغمورين» الذين تلقّوا وعوداً لم تكتمل فصولها.
وعليه، لم يكن هناك بدّ من ان يقدّم رئيس الجمهورية موعد رسالته السنوية، التي كان من المفترض ان يلقيها اليوم في مناسبة الذكرى السنوية الرابعة لانتخابه رئيساً للجمهورية، وعبور ثلثي سنوات العهد كما عبرت، من دون اي إنجاز يُذكر. والإضاءة على الثلث الأخير منه وما ينوي القيام به. فكان خطاب ظهيرة ذلك اليوم (21 تشرين الاول) معرّضاً في شكل طبيعي وتلقائي لكثير من الانتقادات والملاحظات، التي لم تؤخّر ولم تقدّم في سير الأحداث المتصلة بالأزمة الحكومية، فبقيت كلها ضمن اطارها ومراحلها الدستورية الإلزامية. ولذلك، لا يمكن تجاهل الإشارة الضرورية، الى الجهد المبذول اليوم لتصحيح ما تركته تلك الرسالة من ردّات فعل سلبية، وما حملته «فشة الخلق» العابرة من اشكالات في العلاقات بين بعبدا وبيت الوسط. كما التداعيات التي كان يمكن ان تتناسل منها، والتي كان يمكن ان تكون اكبر بكثير مما توقعه البعض، لو لم يتدارك الحريري نتائجها ويتجاهل ما جاء فيها، ملتزماً جملة نصائح أُسديت له من اكثر من موقع، فاستمر محتفظاً بـ «الصمت البليغ» الذي امتد من تاريخ اعتباره «مرشحاً طبيعياً» لتشكيل الحكومة الى حين تسميته.
وبناءً على ما تقدّم، يعتقد المراقبون العارفون بكثير من خفايا الأمور، انّ العلاقات بين عون والحريري لم تكن مستقرة يوماً بالفعل. فقد شابها كثير مما عبر من ازمات، بقي البعض منها مخفياً على كثير من اللبنانيين، بقرار مشترك للطرفين. فقد كانا ملزمين بما قالت به وما بُنيت عليه تسوية سياسية غامضة ومكلفة، ناء تحتها الطرفان لثلاث سنوات. وان خرج منها الحريري متأخّراً، فقد جاءت خطوته على وقع انهيارات أخرى متتالية، اصابت أطرافاً أخرى شاركت فيها تحت وطأة ما آل اليه «تفاهم معراب» الذي دُفن عند تقاسم المواقع القضائية والديبلوماسية والإدارية، و»اتفاق كليمنصو» الذي سقط في قبرشمون وقبله في مناطق مختلفة من الجبل والشوف تحديداً. وكل ذلك كان يجري متزامناً مع عدم قدرة العهد على تنفيذ سلسلة التعهدات التي قطعها قبل 31 تشرين الأول عام 2016 في اكثر من اتجاه، سواء تلك التي كانت مع حليفه في الضاحية الجنوبية او حليف الحليف في عين التينة، كما بالنسبة الى تلك التي عنت الصف المسيحي.
ولذلك، لم يكن مستغرباً ان تستمر التجاذبات بين العهد ومختلف الأفرقاء. فعطلت التوجّهات الديبلوماسية التي اقتيد اليها لبنان علاقاته الخارجية مع الدول الغربية والعربية والدول والمؤسسات المانحة، وجاء سيف العقوبات مرفقاً بالقطيعة الديبلوماسية الخليجية والعربية، لتشلّ الوضع الاقتصادي والنقدي والمصرفي. وادّى تعاظم الفساد والإهمال بوجود حكومة «مواجهة التحدّيات»، التي حملت إسماً اكبر منها بكثير، عاجزة عن معالجة أي ملف، وخصوصاً ملفات الغلاء وفقدان العملات الأجنبية والكهرباء والماء والنفايات والسلاح غير الشرعي، وغيرها من القضايا الحيوية. وهو ما ادّى الى «انتفاضة 17 تشرين»، قبل ان يأتي انفجار المرفأ في 4 آب بالنكبة التي حلّت ببيروت، فسقطت تلك الوعود والالتزامات الكبرى التي انتظرها اللبنانيون، بعدما حاكت همومهم اليومية، وتبخّرت شعارات الإصلاح والتغيير الى ما هو أسوا بكثير مما عاشته البلاد في العقود الخمسة الأخيرة.
وبناءً على ما تقدّم، فإنّ اي جردة يمكن ان تُجرى للسنوات الاربع التي عبرت من عمر العهد، والتعاون الذي قام بين عون و»التيار الوطني الحر» من جهة، والحريري من جهة أخرى، سيطرحان اكثر من ملاحظة، ومن بينها سؤال وجيه طرحه المراقبون، هل يمكن شطب السنة الرابعة من عمر العهد لتزامنها مع السنة التي عبرت على استقالة الحريري من عمرهما معاً؟ وهل في قدرتهما ان يبنيا على انقاض ما انتهت اليه تلك الصفقات والتسويات السياسية من مآزق، فصلاً جديداً يظلّل الثلث الأخير من العهد؟ ولكثرة الأجوبة السلبية المحتملة في معظمها، يبقى من الأفضل ترك الجواب النهائي للفترة المقبلة. فهي ستحمل الجواب الشافي ان تغيّر احد؟ او اتعظ احدهم مما سبق؟